
قُدِّرَ للإنسانِ أن يعيشَ هذه الحياةَ الدنيا في مكابدةٍ وعَناء: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (4 البلد). ومن بين مفرداتِ هذه المكابدة، التي يتعيَّنُ على الإنسانِ أن يعانيَ منها، أنَّ الإنسانَ تتعهدُه نفسُه بالوسوسة كما يتعهَّدُه بها الشيطان الذي أقسم بعزةِ اللهِ تعالى لَيُغوِيَنَّ كلَّ مَن لم يكن من عبادِ اللهِ المخلَصين: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (16 ق)، (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (82- 83 القَصَص)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (1- 5 الناس).
فالنفسُ أمَّارةٌ بالسوءِ إلا ما رحمَ الله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (53 يوسف)، والنفسُ تُطوِّعُ للإنسانِ أن يفعلَ الشرَّ وتُسوِّلُ له ذلك: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (30 المائدة)، (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا) (من 83 يوسف)، (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (من 96 طه).
ولذلك فلقد كان حقاً على اللهِ تعالى أن يُرسِلَ رُسُلَه الكرام بِدينِه القَويم حتى يُمكِّنَ الإنسانَ من التصدِّي لنَزغِ الشيطانِ ووسوسَتِه ولهمزاتِ النفسِ ووسوساتِها (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (من 123 -124 طه).