
نقرأُ في سورةِ محمد، وفي الآية الكريمة 25 منها، قولَه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)، فما هو معنى “أملى لهم” في هذه الآيةِ الكريمة؟ وهل يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (44- 45 القلم)، (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (182- 183 الأعراف)، (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (178 آل عمران)؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذين السؤالين أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أن السياقَ القرآني هو الذي يحدِّدُ المعنى الذي تنطوي عليه أيُّ مفردةٍ من مفرداتِه. ولذلك فإنَّ معنى “أملى لهم” في الآية الكريمة 25 من سورة محمد أعلاه، إذ يُحدِّدُه السياقُ القرآني الذي ترِدُ خلالَه، بالإمكانِ إيجازُه وتلخيصُه بالكلماتِ التالية: “أوحى الشيطانُ لهم بما جعلهم يزدادون إصراراً على غَيِّهم ويقيناً بأنَّهم على حق إذ فعلوا ما سوَّلَه لهم”.
وإيحاءُ الشيطانِ لأوليائه حقيقةٌ من حقائقِ القرآنِ العظيم. فالشياطينُ، الذين هم قبيلُ الشيطانِ من الجن، يوحون لأوليائهم. وهذا ما بوسعنا أن نتبيَّنه بتدبُّر الآيةِ الكريمة (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون) (121 الأنعام).