
نقرأُ في سورةِ الفرقان قولَه تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)، فما هو معنى “أتصبرون” في هذه الآية الكريمة؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أنَّ اللهَ تعالى قد ابتلى بَني آدم بكلِّ ما هو كفيلٌ بأن يَميزَ خبيثَهم من طيِّبِهم. ولقد تعدَّدت أنماطُ هذا الابتلاءِ وتنوَّعت فلم تغادر مفردةً من مفرداتِ حياتِهم الدنيا إلا وطالَتها، وبما يجعلُ من العسيرِ على الإنسانِ أن يُفلِتَ من ابتلاءِ اللهِ تعالى له ليلَ نهار أينما حلَّ وارتحل. ومن بين مفرداتِ هذا “الابتلاءِ الإلهي” أن جعلَ اللهُ تعالى بَني آدمَ بعضَهم لبعضٍ فتنة. وما حياةُ بَني آدم في دُنياهم إلا تجلياتٍ لهذه الفتنة التي أوجبت عليهم من صنوفِ “الاختبارات” و”الخَيارات” ما ليس باليسيرِ إحصاؤه. فكلُّنا فتنةٌ لكلِّنا.
ولقد حتَّمت هذه “الفتنةُ الإلهية” على بَني آدم ألا يهنئوا بعَيشٍ طالما لم يستعينوا عليها بالسبيلِ الوحيدِ لجعلهم يجتازونها وبما يجعلهم ينجحونَ في هذا “الاختبارِ الإلهي”. ولقد بيَّنت لنا الآيةُ الكريمة 20 من سورةِ الفرقان هذا السبيلَ وعرَّفته بأنَّه “الصبر”: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ). فالصبرُ يوطِّنُ الإنسانَ على تقبُّلِ هذه “الفتنة”، وذلك بأن يجعلَه يُرجِعُها إلى مَن كان العلةَ من ورائِها: وهو اللهُ تعالى.
وهنا لابد لنا من أن نستذكرَ ما كان الشيخُ عبد القادر الكيلاني يواظبُ على تذكيرِ الناسِ به: “لو عرفتَ المبتلي لصبرتَ على بَلائه”. فالصبرُ على ابتلاءِ اللهِ لنا، الذي بمقتضاه أصبح بعضُنا لبعضٍ فتنة، هو معنى “أتصبرون” في قولِه تعالى (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ).
ونجدُ في قرآنِ اللهِ العظيم ما يُعزِّزُ ذلك، ومن ذلك ما نقرأُه في الآيتين الكريمتين 34- 35 من سورة فصلت (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).