
أمرَ اللهُ تعالى الذين آمنوا بأن يتَّقوا النارَ التي وصفَها قرآنُه العظيم بأنَّ وقودَها الناسُ والحجارة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6 التحريم). فما هو معنى “قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الآيتين الكريمتين: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (من 24 البقرة)، (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (131 آل عمران). فأمرُ اللهِ تعالى لنا بأن نتَّقِيَ النارَ التي أُعِدَّت للكافرين هو أمرُه لنا بأن نتَّقِيَ يوماً عرَّفه لنا قرآنُه العظيم بما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) (48 البقرة)، (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) (123 البقرة)، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (281 البقرة).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ أمرَ اللهِ تعالى للذين آمنوا بأن “يَقوا” أنفسَهم وأهليهم ناراً وقودُها الناسُ والحجارة، هو عينُ أمرِه لهم بأن “يتقوا” النارَ التي وقودُها الناسُ والحجارةُ، والتي أُعِدَّت للكافرين. و”تقوى النار” هي تقوى اليوم الذي سنُرجَع فيه إلى الله؛ يومَ لا تَجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً. وهذا كلُّه هو مما تشتملُ عليه “تقوى الله” التي أمرَنا بها قرآنُه العظيم: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (من 197 البقرة).