
نقرأُ في سورةِ البلَد، وفي الآية الكريمة 4 منها: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ). فما هو معنى أن يكونَ الإنسانُ قد خُلِقَ “في كَبَد”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما كنتُ قد انتهيتُ إليه في المنشور الذي عنوانه “ميَّزَ اللهُ الإنسانَ بعقلٍ جبارٍ متفوق وبنفسٍ طاغيةٍ متمردةٍ متكبرة”. فكيف لا يكونُ الإنسانُ “في كَبَد”، وقد تعيَّنَ عليه أن يكونَ ساحةَ تصارعٍ بين عقلٍ يأمرُه بشيء ونفسٍ تُطوِّعُ له على الدوامِ أن يفعلَ خلافَ هذا الشيء؟! فالإنسانُ في مكابدةٍ وعَناء مادام حياً. والإنسانُ لا يملكُ حيالَ قدَرِه هذا غيرَ أن يستعينَ بما جاءه به دينُ اللهِ تعالى حتى يكونَ بمقدورِه أن يُطوِّعَ نفسَه فيقهرَها. فإذا كان اللهُ تعالى قد ابتلى الإنسانَ بنفسٍ لا تأمرُ إلا بالسوء، وإذا كانت نفسُ الإنسانِ هذه تُطوِّعُ له على الدوام ألا يسمعَ لغيرِ ما تأمرُه به، فكيف لا يكونُ الإنسانُ إذاً “في كبد” وعقلُه قد بيَّنَ له ما ينتظرُه من سوءِ العاقبة إن هو انصاعَ وامتثلَ لِما تأمرُه به نفسُه؟!
لقد تعيَّنَ على الإنسانِ أن يكونَ “في كبَد” يومَ ارتضى أن يحملَ “الأمانةَ” التي أشفقت منها السماواتُ والأرضُ والجِبال: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (72 الأحزاب).