
لقرآنِ اللهِ العظيم لسانُه العربيُّ المُبين الذي ليس لأحدٍ أن يُحكِّمَ فيه ما بين يدَيه من علمٍ بقواعدِ اللغةِ وأحكامِها حتى يُستنبطَ المعنى الذي تنطوي عليه آياتُه الكريمة وبما لا يتعارضُ مع ما تقضي به هذه الأحكامُ والقواعد. ولذلك كانت المقاربةُ الأمثلُ للقرآنِ العظيم تنطلقُ من هذا الإقرارِ بأن ليس لنا ونحن في حضرتِه غيرُ أن نُحكِّمَ آياتِه الكريمة بعضَها في بعض فنُفسِّرَها بعضاً ببعض ومن دونِ أن نُقحِمَ عقولَنا، باشتراطاتِها وافتراضاتِها، في الأمر فنضِلَّ بذلك سواءَ السبيل!
وفي هذا المنشور سوف أتطرقُ إلى تبيانِ بعضٍ مما يتمايزُ به لسانُ القرآنِ العربي المبين عن لسانِنا العربي الذي اعوجَّ على مرِّ الأعوامِ والسنين. فالكلمةُ القرآنيةُ الكريمةُ “سبَّح” تنطوي على ذات المعنى الذي تشتملُ عليه الكلمةُ القرآنيةُ “يُسبِّحُ”، وإن كان في ذلك ما يستفزُّ أولئك الذين أسلموا قيادَهم لما تقضي به قواعدُ اللغةِ وأحكامُها! فالتسبيحُ هو إقرارٌ من كلِّ مخلوقٍ بعجزِه التامِّ والمطلق عن أن يكونَ بمقدورِه أن يعرفَ اللهَ تعالى على ما هو عليه حقاً وحقيقة. ويُخطئُ كلُّ مَن يظن أنَّ العبارةَ القرآنيةَ الجليلة “سَبَّحَ لِلَّهِ” هي ذاتُ معنى يختلفُ عن معنى العبارةِ القرآنيةِ الجليلة “يُسبِّحُ لله”.
لقد آنَ الأوانُ حتى نَعِيَ ونُدرِكَ أنَّ الكلمةَ القرآنيةَ الكريمة لها أن تحملَ ذاتَ المعنى الذي تحملُه كلمةٌ قرآنيةٌ كريمةٌ أخرى تتمايزُ عنها في المبنى، وأنَّ الأمرَ ليس لنا حتى نفرضَ على لسانِ القرآنِ العظيم أن يجيءَ موافقاً لما تقضي به أحكامُنا اللغوية! فلمبنى الكلمةِ القرآنيةِ من الأسرار ما لمعناها الذي تنطوي عليه؛ فإن أردنا أن نعلمَ السِّرَّ من وراءِ تواجدِ هذه الكلمةِ القرآنيةِ في هذا الموطن أو ذاك فإنَّ لمبنى هذه الكلمةِ من الأسرارِ ما ينبغي أن يؤخذَ بنظرِ الاعتبار أخْذَنا لما ينطوي عليه معناها من الأسرار.