
لن يكونَ بمقدورِ الإنسانِ وحده أن يعلمَ أنَّ له إلهاً هو الله، وأنَّ اللهَ جامعُه ليومِ الحسابِ لا ريبَ فيه، وأنَّه يتوجَّبُ عليه أن يفعلَ كذا وألا يفعلَ كذا حتى لا يُخلَّدَ في النار وحتى يُزحزَحَ عنها ويُدخَلَ الجنةَ خالداً فيها أبداً، وإن امتدَّ به العُمُرُ إلى نهايةِ الزمان!
ولذلك قالَ اللهُ في قرآنِه العظيم: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (4- 5 العلق). فلولا أنَّ اللهَ تعالى علَّمَ الإنسان أنَّ له إلهاً هو الله، لما تمكَّنَ الإنسانُ من أن يعرفَ ذلك وحدَه. ولذلك أرسلَ اللهُ تعالى أنبياءَه المُرسَلين بالحقِّ المبين ليُبيِّنَ للإنسانِ بما ينبغي عليه أن يؤمنَ به، وما يتوجَّبُ عليه القيامُ به، حتى يكونَ عند اللهِ تعالى من الفائزين:
1- (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (35- 36 الأعراف).
2- (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (من 38- 39 البقرة).
ولذلك نقرأُ في سورة الرحمن: (الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)خَلَقَ الْإِنْسَانَ(3)عَلَّمَهُ الْبَيَان). فالبيانُ هنا هو ما علَّمَه اللهُ تعالى لآدمَ من علمٍ بيَّنَ له به هذا الذي يتوجَّبُ على الإنسان أن يؤمنَ به ويقومَ بعملِه حتى يكونَ من الناجينَ الفائزين. ولقد وردت كلمةُ “بيان” بهذا المعنى في قولِه تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (138 آل عمران).
فالبيانُ الذي علَّمَه اللهُ تعالى للإنسانِ إذاً هو فطرةُ اللهِ وصِبغتُه ودينُه القويم.