
لماذا أمرَ اللهُ تعالى الملائكةَ بأن يسجدوا لآدم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (من 11 الأعراف)؟
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ في أمرِ اللهِ تعالى هذا ما يكفي دليلاً وبرهاناً على أنَّ الإنسانَ مخلوقٌ يفوقُ الملائكةَ قدراً وبما يجعلُه أهلاً لأن يسجدوا له إقراراً منهم بما اختُصَّ به من مزايا وخصائصَ تفرَّدَ بها وحدَه! وهذا الظنُّ لا دليلَ من قرآنِ اللهِ العظيم عليه حتى يكونَ للقائلين به أن يُدلِّلوا به على ما أسمَوه بـ “عَظَمة الإنسان”!
فالإنسانُ لم يرِد له ذكرٌ في القرآنِ العظيم إلا وكان ذلك في معرضِ تنديدِ اللهِ تعالى بهذا الذي جُبِلَ عليه من إيثارٍ لهَواه وحرصٍ على اتِّباعِ غيرِ هَديِ الله: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (6 الإنفطار)، (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (17 عبس)، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (من 72 الأحزاب)، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (من 11 الإسراء)، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (من 67 الإسراء)، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا) (من 100 الإسراء)، (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (من 54 الكهف)، (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) (66 مريم).
فإذا لم يكن سجودُ الملائكةِ لآدم تعظيماً للإنسانِ وتفخيماً، فلماذا كان إذاً؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي بوسعِنا أن نتبيَّنَ مفادَها بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى في تبيان هذا الذي هم عليه ملائكتُه الكرام من إطاعةٍ والتزام: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (من 6 التحريم). فاللهُ تعالى أرادَ بأمرِه للملائكةِ بأن يسجدوا لآدم أن يَميزَ إبليسَ منهم فيضطرَّه إلى أن يبوحَ ويُفصِحَ عما كان يعتملُ في داخلِه من إرادةٍ لم يُحسِن تطويعَها فيجعلها طوعَ أمرِ الله. وهذا هو عينُ ما حدثَ إذ أبى إبليسُ أن يسجدَ عصياناً منه هو في حقيقتِه تبيانٌ لما كان يعتملُ داخلَه من إباءٍ وخُيَّلاء تجعلانه غيرَ أهلٍ لأن يكونَ مع الملائكةِ في جنةِ المأوى.