
يسَّرَ اللهُ تعالى قرآنَه العظيم للذكر فأنزلَه بلسانٍ عربيٍّ مُبين كفلَ لكلِّ مَن يتدبَّرُه أن يتبيَّنَ أنَّه كتابٌ لا يمكنُ أن يكونَ من عندِ غيرِ الله، وأنَّ الأمرَ لا يحتاجُ منه غيرَ أن يكونَ من “المُدَّكِّرين” حتى تنفتحَ أبوابُ هذا الكتابِ أمامه فيتجلى له ما انطوت عليه آياتُه الكريمة من معانٍ: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (3 فصلت)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء)، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (17 القمر).
ولذلك تُخفِقُ كلُّ محاولةٍ يَرومُ صاحبُها أن يُباعدَ بيننا وبين قرآنِ الله! ومن ذلك قولُ البعضِ بأنَّه لا يجوزُ لنا أن نسألَ عن العلةِ من وراءِ أمرِ اللهِ تعالى لنا بأن نفعلَ كذا أو كذا مما فرضَه علينا وكتبَه من أوامرَ وعبادات! فترى القومَ يخرجونَ عليك بغليظِ القولِ تكادُ أعينُهم تنقلعُ من محاجرِها غيظاً وغضباً للهِ بزعمهم: “كيف تجرؤُ وتتجاسرُ فتسألُ عن العلةِ من وراءِ أوامرِ اللهِ وأفعالِ الله”! ولو أنَّ القومَ تريَّثوا قليلاً وتمهَّلوا لتبيَّنوا أن الأمرَ يُخالِفُ عن هذا الذي خرجوا به علينا! فاللهُ تعالى قالَ في قرآنِه العظيم: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (31- من 32 المائدة).