
أمرَنا اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بأن “نُقيمَ الدين”، وذلك بألا نتفرَّقَ في التديُّنِ به أحزاباً يُكفِّرُ بعضُها بعضاً ويلعنُ بعضُها بعضاً (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (من 13 الشورى). فنحنُ إن فعلنا ما نهانا اللهُ تعالى عن أن يكونَ هذا هو حالُنا معه، تفرُّقاً في الدينِ يجعلُنا نفترقُ طوائفَ شتى، فلن نكونَ إلا كمن سبقَنا من الأُمَمِ الذين قالَ في حالِهم مع اللهِ قرآنُ الله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (105 آل عمران)، (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (14 الشورى)، (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (53 المؤمنون)، (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (من 31- 32 الروم).
فالعاصِمُ إذاً من “التفرُّقِ في الدين” هو “إقامةُ الدين”، وذلك بأن نلزمَ ما جاءنا به فلا نحيدَ عنه فنتَّبِعَ ما يُمليه علينا هوانا وما يدعونا إليه الشيطانُ الذي أنبأنا قرآنُ اللهِ العظيم بأنَّه إنما يُريدُ أن يُوقِعَ بيننا العداوةَ والبغضاءَ وأن يجعلَنا نُنصِتُ لنزغِه فيُحاربُ بعضُنا بعضاً ويخوضُ بعضُنا في دمِ بعض (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (53 الإسراء).
فاللهُ تعالى أمرَنا أن نعتصمَ بحبلِه حتى لا نتفرَّقَ ويُعاديَ بعضُنا بعضاً (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (من 103 آل عمران). وما حالُنا اليومَ، تفرُّقاً وتشرذُماً وتحزُّباً وافتراقاً، إلا كنايةٌ عن حالِنا مع اللهِ تعالى إعراضاً عن الالتزامِ بأمرِه لنا بأن نُقيمَ الدينَ إطاعةً له ولرسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم تجعلُنا نُقيمُ القرآنَ دونَ أن يُخالِطَ تديُّنَنا بدينِ اللهِ الحق ما يجعلُ لغيرِ اللهِ فيه نصيباً ولو كان مثقالَ حبةٍ من خردل.