
ما هي أبرزُ معالِمِ وتجليات “العداوةِ المتبادَلة” بين بَني آدم من جهة، والشيطان وقبيلِه من الشياطين من جهةٍ أخرى؟
سؤالٌ لابد من أن يضطرَّنا إليه قبولُنا بما شاعَ فينا وراجَ من تفسيرٍ لقولِه تعالى (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (من 36 البقرة). فالتفسيرُ السائدُ لقولِ اللهِ تعالى هذا يذهبُ إلى أنَّ هنالكَ “عداوةً متبادَلة” بين الإنسانِ والشيطان!
ويُفنِّدُ هذا التفسيرَ، ويدحضُّه، أمرُ اللهِ تعالى لنا بألا نتَّبعَ خطواتِ الشيطان وبأن نتَّخذَه عدواً (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (من 208 البقرة)، (إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (من 6 فاطر). فإذا كانت عداوةُ الشيطانِ للإنسان قد تبيَّنت لنا معالمُها وتجلَّت بهذا الذي بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ هاتين الآيتَين الكريمتَين، وغيرِهما من الآياتِ الكريمةِ ذات الصلة، فإنَّنا لن نجدَ في قرآنِ اللهِ العظيم ما ينصُّ صراحةً على أنَّ الإنسانَ عدوٌّ للشيطانِ حتى يكونَ لنا أن نزعمَ بأنَّ العداوةَ بينهما متبادلَةٌ كما يزعمُ مَن تجاسرَ على اللهِ تعالى بقولِه “إنَّ الإنسانَ عدوٌّ للشيطانِ عداوةَ الشيطانِ له”!
وهنا لابد لنا من أن نُقِرَّ بأنَّ العداوةَ بين الإنسانِ والشيطان هي عداوةٌ من طرفٍ واحدٍ فحسب، وأنَّ قولَ اللهِ تعالى “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ” لا علاقَة له من قريبٍ أو بعيد بهذه “العداوةِ المتبادَلة” المزعومة بينهما! فلو كانت العداوةُ متبادَلةً بين الإنسانِ والشيطانِ حقاً، فلماذا أمرَنا اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم بأن نُعاديَ الشيطانَ وبأن نتَّخذَه عدوا؟!
أما بخصوصِ ما ينبغي أن يكونَ عليه تفسيرُ قولِ اللهِ تعالى “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ”، فإنَّ تدبُّرَ نشراتِ الأخبار اليومية، وصفحاتِ التاريخ، كفيلٌ بأن يُعينَنا على تبيُّنِ مَن هم الذين وصفَهم اللهُ تعالى بقولِه “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ”!!!