
يظنُّ كثيرٌ منا، وهو يقرأ قولَ اللهِ تعالى “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ”، أنَّ كلمة “الإنسان” هنا تُشيرُ إلى الإنسانِ بعامة، وأنَّ كلَّ إنسانٍ هو هذا “الإنسانُ” الذي يذكرُه اللهُ تعالى في قولِه هذا.
ويفنِّدُ هذا الزعمَ تدبَّرُ السياقَ القرآني الذي ورد خلالَه قولُ اللهِ تعالى هذا (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِين. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (من 7- من 9 السجدة). فالقرآنُ العظيم يبيِّنُ لنا أنَّ اللهَ تعالى نفخَ في آدمَ من روحِه (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين) (71- 72 ص).
وبذلك يكونُ مقصودَ كلمةِ “الإنسان” الواردة في قولِه تعالى “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ” هو آدمُ وليس كلَّ إنسان!
فآدمُ هو الإنسانُ الوحيد الذي نفخَ اللهُ تعالى فيه من روحه نفخةَ الخلق هذه. وما كان نفخُ اللهِ تعالى في السيدةِ مريم من روحِه إلا أمراً من لدنه لتحملَ من بعدِها بسيدِنا عيسى دون الحاجةِ إلى أن يمسَسها بشرٌ (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) (90 الأنبياء).