
يأبى عقلُ الإنسانِ إلا أن يُضفِيَ “من عندِياتِه” ما يظنُّ أنَّه مما لابد منه حتى يستقيمَ المعنى الذي تنطوي عليه هذه العبارةُ أو تلك! ولقد بالغَ الإنسانُ في العملِ وفقاً لما يُمليه عليه ظنُّه هذا حدَّ التجاسرِ على القرآنِ العظيم بزعمِه أنَّ اللهَ تعالى ما كان له أن يقصدَ إلى ذاتِ المعنى فيُعدِّدَ في المبنى! ومن ذلك قولُ البعضِ بأنَّ “إبليس هو ليس الشيطان”! فالقومُ يُحاجِجونَ بقولِهم “إنَّ اللهَ لم يكن ليُورِدَ كلمتَين متباينتَين في المبنى تحملان ذاتَ المعنى”!
ويُعينُ على دحضِ وتفنيدِ هذه الفريةَ، التي خرجَ بها علينا مَن لم يتدبَّرَ قرآنَ اللهِ العظيم حقَّ تدبُّرِه، أن نستذكرَ ما جاءتنا به الآياتُ الكريمةُ التالية: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور) (من 33 لقمان)، (حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (من 14 الحديد)، (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور) (من 5 فاطر).
فـ “الغَرور” هو إبليس، وهو الشيطان الرجيم.
ولهؤلاءِ الذين يظنون أنَّ إبليسَ هو غيرَ الشيطان، بحجةٍ مفادُها أنَّ “كلَّ كلمةٍ في القرآن لا يمكنُ لها أن تتماهى في المعنى مع كلمةٍ أخرى غيرها تتباينُ معها في المبنى”، أتوجَّهُ إليهم بالآياتِ الكريمةِ التالية: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين) (87 الأنبياء)، (وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (من 48- 49 القلم)، (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (139- 142 الصافات). فـ “صاحبُ الحوتِ” هو سيدُنا يونس وهو “ذو النون”.