
نقرأُ في سورةِ النساء ما أنبأنا اللهُ تعالى به بشأنِ هذا الذي هو عليه الشيطانُ من كيدٍ ضعيف (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (من 76 النساء). فلماذا كان كيدُ الشيطانِ ضعيفاً؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى لم يُجِز الشيطانَ، ولم يأذن له، بشيءٍ غيرَ هذا الذي بوسعنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمة التالية:
1- (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (14- 17 الأعراف).
2- (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (62- 64 الإسراء).
غيرَ أنَّ هذه الإجازةَ كانت مشروطةً بما فصَّلته وبيَّنته الآياتُ الكريمةُ التالية:
1- (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) (65 الإسراء).
2- (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (39- 42 الحجر).
3- (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (22 إبراهيم).
وهكذا فلقد كشفَ لنا القرآنُ العظيم النقابَ عن كلِّ ما بمقدورِ الشيطانِ أن يقومَ به في عالَمِ الإنسان مما هو ذو صلةٍ بما أذِنَ له اللهُ تعالى وأجازَه من “إغواءِ” للإنسان لا ينجو منه إلا مَن كان من عبادِ الله المخلَصين. وهذا الإغواءُ يتعدَّدُ ألواناً وأنواعاً. فمن الإغواءِ “التزيينُ” و”الإضلالُ” و”الفِتنةُ” و”الاستزلال”.
ولقد فصَّلَ لنا القرآنُ العظيم أمثلةً يتبيَّنُ لكلِّ مَن يتدبَّرُها ألا موجبَ هنالك للمبالغةِ في تقديرِ قوةِ كيدِ الشيطان؛ هذه المبالغةُ التي غالى فيها كثيرٌ من الناس حتى عزوا إلى الشيطانِ قُدُراتٍ جعلتهم يخافونَه ويرهبونه بأكثرَ مما يخافونَ اللهَ تعالى ويرهبونه! وهذا هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنه بتذكُّرِنا ما كان عليه الأمرُ في أوروبا القرونِ الوسطى حيث كان الناسُ يبالغون في تقديرِ قوةِ كيدِ الشيطان فيذهبون بها بعيداً، وإلى الحدِّ الذي جعلَهم ينسبون إليه من القوى والقدرات ما لم يأذن له بها اللهُ تعالى!
فالحمدُ للهِ الذي بيَّنَ لنا في قرآنِه العظيم حقيقةَ كيدِ الشيطانِ إذ قال فيه (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا).