في معنى قولِهِ تعالى “الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ”

“التوفِّي” في القرآنِ العظيم يرِدُ بمعنَين اثنين. المعنى الأول هو المعنى الذي شاعَ فينا وراجَ حتى ظنَنَّا أنه المعنى الوحيد لهذه الكلمة، ومن ذلك قولُه تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (من 42 الزمر)، وقوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون) (11 السجدة)، وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) (من 61 الأنعام).
أما المعنى الثاني، والذي توهَّمنا ألاَّ وجود له، فهو ما بوسعنا أن نتبيَّنه بتدبُّرنا الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون) (من 31- 32 النحل).
2- (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ. الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (من 27- 28 النحل).
3- (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (37 الأعراف).
4- (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق) (50 الأنفال).
5- (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) (27 محمد).
وهذا المعنى الثاني لكلمة “التوفِّي” في القرآنِ العظيم هو ما بالإمكانِ إيجازُه بالقولِ إنَّه ما سيحدثُ يومَ القيامة؛ فمَن لم يأتِ اللهَ بقلبٍ سليم، فسوف تتوفاهُ رسُلُ اللهِ من الملائكةِ المكلَّفين بعذابِ أصحابِ النار، فتسوقُه إلى جهنمَ ليُخلَّدَ فيها أبدَ الآبدين. وأما مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم، فسوف تتوفاه الملائكةُ مع مَن تتوفاهم طيبين، الذين سيُزحزَحون عن النارِ ويُدخلون الجنةَ خالدين فيها أبدَ الآبدين.

أضف تعليق