ومِن بَني آدمَ مَن قلوبُهُم هي كالحِجارةِ أو أشدُّ قسوة!

الإنسانُ كائنٌ فظٌّ غليظُ القلبِ إلا مَن سبقت له من عندِ اللهِ تعالى الحُسنى فكان بذلك من أولئك الذين ألقى اللهُ تعالى عليهم حناناً من لدنه جعلهم يجتذبون إليهم رحمتَه، التي وإن كانت قد وسِعَت كلَّ شيء فإنَّ اللهَ تعالى لم يكتبها لمن اختارَ أن يحيدَ عن صراطِه المستقيم ويؤثِرَ عليه اتِّباعَ ما تأمرُه به نفسُه ويُزيِّنُه له هواه.
فغِلظةُ القلوبِ تجعلُ من أصحابِها يُعرِضون عن الحقِّ وإن تجلَّى أماماً من ناظريهم، لا لشيءٍ إلا لأنَّ سوء ظنِّهم باللهِ تعالى، وحسنَ ظنِّهم بأنفسِهم، قد جعلَ قلوبَهم قاسيةً بما زادُوه على غِلظَتِها فصارت بذلك، وكما وصفَها قرآنُ اللهِ العظيم، كالحجارةِ أوأشدَّ قسوة. ومن هؤلاء، أولئك الذين وصفت حالَهم مع اللهِ تعالى الآيةُ الكريمة 74 من سورة البقرة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
أما العلةُ من وراءِ هذه القسوةِ التي يزدادُ بها القلبُ الغليظُ غِلظةً، فإنها تعودُ إلى ما يُخلِّفُه في القلبِ إصرارُ المرءِ على النأي بعقلِه عن تدبُّرِ ما جاءته به آياتُ اللهِ مما هو كفيلٌ بجعلِه يزدادُ بها إيماناً باللهِ ويقيناً لو أنَّه أسلمَ قِيادَه للهِ تعالى فلم يدَع للشكِّ محلاً، ولم يُمكِّن الظنونَ من عقلِه وقلبِه. ولذلك حذَّرنا اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم من أن نكون كمن سبقَنا ممَّن قست قلوبُهم جراءَ الإصرارِ على النأيِ والإعراضِ عن تدبُّرِ آياتِه، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا ) (من 156 آل عمران)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) (69 الأحزاب)، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (105 آل عمران)، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُون) (21 الأنفال)، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (من 92 النحل)، (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) (181 الشعراء)، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (من 31 الروم)، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (19 الحشر).

أضف تعليق