
وصفَ القرآنُ العظيم الإنسانَ بما يُعينُ على تبيُّنِ هذا الذي هو عليه من الطغيان (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) (6 العلق). فالإنسانُ يطغى إذ يُبالغُ في حسنِ الظنِّ بعقلِه وبقواه وبقدراته! وإذا كان اللهُ تعالى قد خلقَ الإنسانَ ضعيفاً محدودَ القدرات مُحدَّدَ الإمكانيات، فإنَّ هذا لم يمنع خيالَ الإنسانِ من أن يجعلَه يُبدِعُ خيالاتٍ جعلته يظنُّ أنَّه لابد وأن يصبح يوماً بمقدورِه أن يكونَ ذلك الإنسانَ الخارق (السوبرمان) الذي بوسعِه أن يفعلَ ما يشاء!
وهذا خيالٌ لا ينبغي أن يُستدرجَ إلى الوقوعِ في حبائلِه مَن كان على شيءٍ من الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخر. فالإنسانُ لا يحتاجُ الخيالَ ليُعوِّضَه عن النقصِ الذي خُلِقَ به! فكلُّ ما يحتاجُ إليه الإنسانُ قد أجملَه له القرآنُ في هذه الكلماتِ الكريمة التي جاءته به سورةُ طه وهي تُفصِّلُ لنا قصةَ سيدِنا موسى عليه السلام (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (67- 68 طه). فسيدُنا موسى كان هو “الأعلى” وليس سحرةَ فرعون، وذلك لأنَّ اللهَ تعالى كان معه “يسمعُ ويرى”. فاللهُ تعالى هو الذي أيَّدَه بما جعلَه الأعلى.
يتضحُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ هاتين الآيتين الكريمتين، أنَّ كلَّ إنسانٍ بمقدوره أن يصبح “الإنسان الأعلى” إذا ما اتَّبعَ هَدي اللهِ واتقى اللهَ حقَّ تُقاته فاستحقَّ بذلك أن يؤيِّدَه اللهُ بمدَدٍ منه وأن يُدافعَ عنه وأن يكونَ له نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.