
زوَّدَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم بما كفلَ له أن يكونَ بمنأىً عن أن يُلقِيَ الشيطانُ فيما يتلو صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم على الناسِ من آياتِ القرآنِ ما يُعينُ أعداءَ اللهِ تعالى من مُشكِّكين ومُغرضين في مسعاهم الهادفِ إلى تقويضِ أركانِ الدين. فاللهُ تعالى قد كشفَ لنا النقابَ في قرآنِه العظيم عن حقيقةٍ بيَّنتها لنا سورةُ الحج في الآيةِ الكريمة 52 منها (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
وهذا “قدَرٌ إلهي” سرى على من سبقَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من أنبياءِ اللهِ ورُسُلِه، وكان حقيقاً على اللهِ تعالى أن يُجرِيَهُ أيضاً على رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم “إلى حين”. ولقد جاءَ “هذا الحينُ” حينَ أمرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلى اللهُ تعالى عليه وسلم بما جاءته به سورةُ النحل في الآية الكريمة 98 منها (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). وهكذا فلقد حالت استعاذةُ سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بالله من الشيطانِ الرجيم دون أن يُلقِيَ الشيطانُ ما كان يُلقيه قبل نزولِ هذه الآية الكريمة. وبذلك يكونُ اللهُ تعالى قد “أحكمَ آياتِه” فلم يجعل للشيطانِ إليها سبيلاً (ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (من الآية الكريمة 52 الحج أعلاه).
أما عن العلةِ من وراءِ إرجاءِ اللهِ تعالى تنزيلَ الآية الكريمة 98 النحل، فإن ذلك يعودُ إلى ما فصَّلته لنا وبيَّنته الآيتان الكريمتان 53- 54 الحج (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). وما أن نزلت الآيةُ الكريمة 98 من سورة النحل بأمرِ اللهِ تعالى القاضي بوجوبِ أن يستعيذَ سيدُنا محمد من الشيطانِ الرجيم حتى سارعَ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم إلى تبليغ صَحبِه بما ينبغي عليهم القيامُ به قبلَ أن يشرعوا بقراءةِ القرآنِ العظيم من وجوبِ الاستعاذةِ باللهِ من الشيطانِ الرجيم.