
شاعَ فينا وذاعَ اعتقادٌ خاطئٌ مفادُه أنَّ كلمةَ “العالَمين” الواردةَ في القرآنِ العظيم تعني جمع كلمة “عالَم”، وأنَّها وكلمةَ “العوالم” بذاتِ المعنى! وهذا اعتقادٌ لا ينبغي لمن كان لقرآنِ اللهِ تعالى من المتدبِّرين. فقراءةُ القرآنِ العظيم بتفكُّرٍ وتدبُّر كفيلةٌ بجعلِ القارئَ يتبيَّنُ العلةَ من وراءِ فسادِ هذا الاعتقاد.
فكلمة “العالَمين” لا تعني ما ذهب إليه مَن ظنَّ بها غيرَ الحقِّ توهُّماً بأنَّها إنما تعني كلَّ ما خلقَ اللهُ تعالى من العوالم، وذلك لأنها وبكلِّ بساطةٍ لا تعني غيرَ “الناس”! فاللهُ “ربُّ العالمين” هو “ربُّ الناسِ كلِّهم أجمعين”. وإذا كان المصحفُ الشريف قد استُهلَّ بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فإنَّه قد اختُتِمَ بسورةِ الناس التي مستهَلُّها (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
فحديثُ القرآنِ العظيم عن “العالَمين” هو حديثٌ عن الناسِ وليس حديثاً عن العوالمِ والأكوان! ويُعينُ على تبيُّنِ ذلك تدبُّرُ بعضٍ من المواطنِ التي وردت فيها كلمة “العالَمين” في القرآنِ العظيم: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (42 آل عمران)، (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (86 الأنعام)، (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (122 البقرة)، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (من 251 البقرة)، (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (32 الدخان)، (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) (80 الأعراف).
فكيف يُعقَلُ بعدها أن تكونَ كلمةُ “العالَمين” الواردةَ في هذه الآيات الكريمة تعني “العوالمَ والأكوان”!