
للكلمةِ الواحدةِ في القرآنِ العظيم أن تأتيَ بمعانٍ متباينة يُحدِّدُها السياقُ الذي ترِدُ خلاله؛ فالسياقُ القرآني هو الذي يُسبِغُ على الكلمةِ التي تردُ خلالَه معناها. ولذلك فلا يجوزُ لنا أن نفترضَ أنَّ كلَّ كلمةٍ لابد وأن تنطويَ على ذاتِ المعنى حيثما وردت في القرآنِ العظيم. ولذلك أيضاً فلا ينبغي لنا أن نتدبَّرَ الكلمةَ القرآنية دون أن نأخذَ بنظرِ الاعتبار السياقَ القرآني الذي ترِدُ خلاله.
ولنتدبَّر في هذا المنشور كلمة “الدِّين” مثالاً على ما تقدَّمَ ذكرُه. فكلمة “الدِّين” ترد في القرآنِ العظيم بمعانٍ عِدة منها:
“يوم القيامة”، ومن ذلك قولُهُ تعالى: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (82 الشعراء)، (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِق. وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) (5- 6 الذاريات)، (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) (7 التين).
كما وأنَّ لكلمة “الدِّين” أن ترِدَ في القرآنِ العظيم متوافقةً مع المعنى الذي تواضعنا واصطلحنا عليه؛ هذا المعنى الذي يُجلِّيه لنا تدبُّرُ الآياتِ الكريمةِ التالية: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) (من 13 الشورى)، (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (من 122 التوبة)، (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (من 21 الشورى)، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (من 78 الحج).
ولكلمة “الدِّين” أن تجيءَ بمعنى “التديُّن” أي “تطبيق شعائر الدين”، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآيتين الكريمتَين التاليتَين: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (من 3 الزمر)، (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (من 29 الأعراف).