
خُلِقَ الإنسانُ “خطَّاءً”. وهذه حقيقةٌ ما كنا لنُحيطَ بها لولا ما كشفَ لنا النقابَ عنه بشأنِ خِلقتِنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بقولِه الشريف “كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ”. والخطَّاءُ هو الذي يُكثِرُ من الوقوعِ في الخطأ والخطيئة. والخطأ هو الخطيئةُ التي كان مطمحَ سيدِنا إبراهيمَ أن يغفرَها له اللهُ تعالى يومَ الدين (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) (82 الشعراء).
والخطيئةُ لا ينبغي أن تكونَ مما نستهينُ به عادةً فنحسبُه هيِّناً وهو عند اللهِ عظيم (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (من 15 النور). ويتجلى لنا ذلك واضحاً بتدبُّرِنا الآياتِ الكريمةِ التالية: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (من 286 البقرة)، (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (74 طه)، (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (51 الشعراء)، (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (81 البقرة)، (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (112 النساء).
والعلةُ من وراءِ هذا الذي هو عليه الإنسانُ من انتفاءِ المقدرةِ على تفادي الوقوعِ في الخطيئة إنما تعودُ لذاك الذي حدثَ له جراءَ أكلِ أبوَيه، آدمَ وزوجِه، من الشجرةِ التي نهاهما اللهُ عنها. فالإنسانُ ما أصبحَ خطاءً، كثيرَ الوقوعِ في الخطأ والخطيئة، إلا لما جرَّته عليه تلك الأكلةُ من تضرُّرٍ أصابَ بُنيَتَه فأضرَّ بها إذ جعلَها لا تستنكفُ عن الوقوعِ في الخطأ والولوغِ في الخطيئة.
ولقد شدَّدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بحديثِه الشريف “وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ” على أنَّ كونَ الإنسانِ قد خُلِقَ خطَّاءً لا يلزمُ عنه وجوبُ أن يقعَ فريسةَ اليأسِ والقنوطِ من رحمةِ الله؛ هذه الرحمةُ التي هي بمتناولِ يدِ كلِّ مَن تاب إلى اللهِ تعالى توبةً نصوحاً لا عودةَ بعدها إلى الوقوعِ في الخطأ والولوغِ في الخطئية. وهذا هو عينُ ما قصدَ إليه سيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم “لا يُلدغُ مؤمنٌ من جُحرٍ مرتين”، أي لا يقعُ في ذاتِ الخطأ، ولا يعودُ إلى ذاتِ الخطيئةِ مرةً أخرى، وذلك من بعد أن تابَ إلى اللهِ توبةً نصوحاً.