
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ عبارةَ “كتاب الله” تنطوي على ذات المعنى حيثما وردت في قرآنِ اللهِ العظيم. وهذا ظنٌّ يستندُ إلى قراءةٍ لقرآنِ اللهِ العظيم تفتقرُ إلى التدبُّرِ والتفكُّر. فعبارةُ “كتاب الله” تنطوي على معانٍ متباينة بتبايُنِ السياقات التي تردُ خلالها. وهذا التباينُ في المعنى، الذي تنطوي عليه هذه العبارةُ الكريمة، يُذكِّرُ بعباراتٍ قرآنيةٍ كريمةٍ تتباينُ هي الأخرى في المعنى بتبايُنِ السياقاتِ التي تردُ خلالها. وقد تحدثتُ في منشورٍ سابق عن عبارة “أصحابِ الجنة” التي تردُ في قرآنِ اللهِ العظيم بمعنيَين متباينَين.
وفي هذا المنشور سوف نتدبَّرُ عبارةَ “كتاب الله” التي يتبيَّنُ لكلِّ مَن يتدبَّرُها حيثما وردت في القرآنِ العظيم أنها ترِدُ بخمسةِ معانٍ متباينة:
المعنى الأول هو “قرآنُ الله”، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (101 البقرة).
2- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (23 آل عمران).
3- (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور) (29 فاطر).
المعنى الثاني هو التوراة، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآيةِ الكريمة 44 المائدة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ).
المعنى الثالث هو كلُّ كتابٍ أنزَله اللهُ تعالى على أنبيائه المرسَلين كصحفِ إبراهيم والتوراةِ والزبورِ والإنجيلِ والقرآن، وذلك كما يتبيَّن لنا بتدبُّرِ الآيات الكريمة التالية:
1- (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (من 75 الأنفال).
2- (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) (من 36 التوبة).
3- (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) (من 6 الأحزاب).
المعنى الرابع هو ما كتبه اللهُ تعالى على الذين آمنوا وفرضه أحكاماً لا مناصَ من التقيُّدِ والالتزامِ بها، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُم) (من 24 النساء).
المعنى الخامس هو المستودعُ الذي يحفظُ اللهُ تعالى فيه أنفسَ بَني آدم بعد موتها حتى قيام الساعة، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّر الآيتين الكريمتين (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون) (55- 56 الروم). ولقد ورد ذكرُ هذا المستودعِ الذي فيه تُحفظُ أنفسُ بَني آدمَ بعد موتِها في الآياتِ الكريمةِ التالية: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (37 الأعراف)، (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (3- 4 ق).