
زعمَ كفارُ قريش بأنَّ ما هم عليه من إشراكٍ بالله هو الحق، وأنَّ ما جاءهم به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم من توحيدٍ لله هو الباطل! ولقد قدَّمَ القومُ من الأدلةِ والبراهين ما ظنُّوا أنَّه كافٍعلى أنَّهم مُحِقُّون في اتِّخاذهم آلهةً مع اللهِ تعالى. ولقد فنَّدَ القرآنُ العظيم هذه الأدلةَ والبراهين وبيَّنت آياتُه الكريمة أنَّها لا تقومُ إلا على أساسٍ من الظنِّ الذي لا يُغني من الحقِّ شيئاً.
ثم أنَّ القرآنَ العظيم قد عاجلَ كفارَ قريش بالضربةِ القاضية، وذلك عندما طالبهم بأن يُخرِجوا ما عندهم من كتابٍ مُنزَّلٍ من اللهِ تعالى يؤيِّدُ ما يزعمون (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون) (من 148 الأنعام). فـ “العلمُ” في هذه الآيةِ الكريمة هو العلمُ الذي تشتملُ عليه صحفُ اللهِ تعالى وكتبُه التي يُنزِلُها على مَن يصطفي من عبادِه ويختارُ أنبياءَ مُرسلين.
ويُخطئُ كلُّ مَن يظن أنَّ “العلمَ” في هذه الآيةِ الكريمة هو شيءٌ آخر غيرَ هذا الذي يُنزلُه اللهُ تعالى على عبادِه الذين اصطفى، ويؤكد ذلك ما بوسعنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمة التالية: (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ. فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (156- 157 الصافات)، (وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) (44 سبأ)، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (4 الأحقاف).