
يُصِرُّ أولئك الذين يقرأونَ القرآنَ العظيم دون تدبُّرٍ ولا تفكُّر على مُناصبةِ اللهِ تعالى العَداء بهذا السَّعي الدؤوب الحثيث من جانبهم للخروجِ بتأويلٍ لآياتِه يتعارضُ مع صريحِ نصِّها الكريم! ومن ذلك قولُهم في الإنسانِ ما لا يتَّفِقُ مع ما جاءنا به القرآن! فالإنسانُ عندهم “مخلوقٌ مقدَّس”، وكلُّ آيةٍ كريمةٍ من آياتِ قرآنِ اللهِ العظيم قدحت في الإنسانِ وعرَّته، وكشفت النقابَ عن مثالبِهِ ومساوئِه وهذا الذي جُبِلَ عليه من خبيثِ الصِّفات والخِصالِ، لها عندهم تأويلٌ ينمُّ عما يعتملُ داخلَهم من تأليهٍ للإنسان يتعارضُ مع زعمهم بأنَّهم أهلُ التوحيدِ والإخلاصِ لله تعالى! فكيف يستقيمُ هذا “التوحيدُ” المزعوم مع هذا التقديس للإنسان وبما لا يتفق مع ما قالَه فيه القرآن؟!
فلو أنَّ الإنسانَ كان كما يزعمُ هؤلاء، فكيف انتهى به الأمرُ إذاً إلى هذا الذي هو عليه من خَبالٍ جعلَه أكثرَ مخلوقاتِ اللهِ تعالى إفساداً في الأرضِ وسَفكاً للدماء؟! لقد كان يكفي هؤلاء المُسبِّحون بحمدِ الإنسان، والمُقدٍّسون له، أن يستذكروا ما جاءتهم به الآيةُ الكريمة 116 الأنعام حتى يتبيَّنوا ما هم عليه من غَيٍّ إن دلَّ فإنما يدلُّ على ما عادَ به عليهم هذا التعبُّدُ للإنسان، والذي لن ينتهيَ بواحدِهم إلا إلى مزيدٍ من الإيغال في النأي والابتعاد عن اللهِ ربِّ العباد (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).