
شاعَ فينا وراجَ وَهمٌ مفادُه أنَّ اللهَ تعالى أمرَ الملائكةَ بأن يسجدوا لأبينا آدم تشريفاً وتعظيماً وإجلالاً وتفخيماً للإنسان! وهذا الوهمُ إن دلَّ فإنَّما يدلُّ على ما عادَ به علينا إصرارُنا على الإعراضِ عن قراءةِ القرآنِ العظيم بتفكُّرٍ وتدبُّر! فلو أنَّنا قرأنا القرآنَ العظيم بتفكُّرٍ وتدبُّر لتبيَّنَ لنا أنَّ الأمرَ هو خلافَ ذلك! فاللهُ تعالى لم يقُل في قرآنِه العظيم إنَّه أمرَ الملائكةَ بأن يسجدوا لآدمَ تشريفاً له وتعظيماً وإجلالاً وتفخيماً! لنتدبَّر الآياتِ الكريمةَ التالية: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (34 البقرة)، (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (11 الأعراف)، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) (61 الإسراء). فلماذا أمرَ اللهُ تعالى إذاً الملائكةَ بأن يسجدوا لأبينا آدم؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما حدثَ فورَ صدورِ أمرِ اللهِ تعالى هذا. فلقد سجدَ الملائكةُ كلُّهم أجمعون. وحدَه إبليس أبى أن يمتثلَ لأمرِ اللهِ تعالى فلم يكن من الساجدين. يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الحقيقةِ القرآنية، أنَّ العلةَ من وراءِ أمرِ اللهِ تعالى للملائكةِ بأن يسجدوا لآدم كانت حتى يَميزَ اللهُ تعالى إبليسَ فيضطرَّه إلى الإفصاحِ والبَوحِ عما كان يعتملُ داخلَه من حقدٍ دفينٍ على آدم وحسدٍ له. فاللهُ تعالى أرادَ أن “يكشفَ” إبليسَ على الملَأِ الأعلى (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ. إنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (69- 74 ص).
ولقد “تنبَّهَ” إبليسُ لهذا المَكرِ الإلهي الذي قال فيه ما حفظته لنا الآيةُ الكريمة 16 من سورةِ الأعراف (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).