
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ إخراجَ أبوَينا، آدمَ وزوجِه، من الجنةِ كان عقوبةً لهما على ما كان منهما من عصيانٍ لأمرِ اللهِ تعالى بألا يقربا الشجرةَ التي نهاهما اللهُ عنها. فهل الأمرُ هو حقاً كذلك؟
يتكفَّلُ بتفنيدِ هذا الاعتقاد أن نتدبَّرَ ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم بهذا الشأن. صحيحٌ أنَّ آدمَ وزوجَه عصيا اللهَ تعالى بأكلهما من تلك الشجرة، غيرَ أنَّ اللهَ تعالى لم يُخرجهما من الجنةِ عقوبةً على عصيانِهما هذا، وذلك لأنَّه قد تابَ عليهما بعد أن دعواهُ بكلماتٍ كان آدمُ قد تلقَّاها منه تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (من 121- 122 طه).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هاتين الآيتَين الكريمتَين، أنَّ اللهَ تعالى كان قد تابَ على آدمَ وزوجِه في الجنة توبةً لا يصحُّ أن نقولَ بعدها إنَّ اللهَ تعالى أخرجهما من الجنةِ عقوبةً لهما على عصيانِهما له أما وأنه قد تابَ عليهما. والذي يؤكِّدُ أنَّ خروجَ آدمَ وزوجِه من الجنة كان ل “علةٍ أخرى” غيرِ ذي صلةٍ بعصيانِهما للهِ تعالى، هو ما تلى هاتين الآيتَين الكريمتَين من قولِه تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (من 123 طه). فاللهُ تعالى أخرجَ آدمَ وزوجَه من الجنة إذاً من بعدِ أن تابَ عليهما.