
يتمايزُ بنو آدمَ فيما بينهم، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بمدى إعمالِهم عقولَهم تفكُّراً وتدبُّراً في أنفسِهم وفي ما يحيطُ بهم. وابنُ آدمَ المتفكِّرُ المتدبِّر هذا لابد وأن ينتهيَ به تفكُّرُه وتدبُّرُه إلى أن يجدَ نفسَه منكباً على ما أنزلَ اللهُ تعالى من كتاب، حتى وإن لم يكن قد وُلِدَ لأبوَين متديِّنَين بدينِ هذا الكتابِ أو ذاك من كتبِ اللهِ التي نزلَ بها سيدُنا جبريل على أنبياءِ اللهِ المُرسَلين.
وابنُ آدمَ الذي هذا هو حالُه مع اللهِ تعالى، بحثاً عنه واستقصاءً لأقربِ السبُلِ إلى تبيُّنِ حقيقةِ الأمر بشأنِ ما يتوجَّبُ عليه أن يحكمَ به من أخذٍ بما جاءَهُ به هذا الكتابُ بقوة، أو إعراضٍ عنه بقوة، لابد وأن يجدَ نفسَه منقاداً إلى الحقِّ الذي لن يطولَ به الأمرُ حتى يتبيَّنَه في كتابِ اللهِ الذي تفكَّرَ فيه وتدبَّره؛ كيف لا وهو كتابٌ لا يأتيهِ الباطلُ من بينِ يدَيه ولا من خلفِه، وبما سيضطرُّه لا محالة إلى وجوبِ الإقرارِ بأنَّه كتابٌ لا يمكنُ أن يكونَ من عندِ غيرِ الله؟
ولذلك كان العبدُ المتفكِّرُ المتدبِّر أحبَّ عبادَ اللهِ تعالى إليه حتى وإن لم يكن قد اهتدى بعدُ إليه! فطالَ الزمانُ أو قصر فإن صاحبَنا لابد وأن يجدَ نفسَه موافقاً لكلِّ ما جاءَه به كتابُ اللهِ ومقبلاً عليه بكلِّ ما أوتيه.