
نقرأُ في سورةِ الحِجر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (28- 35 الحجر). فلماذا لعنَ اللهُ تعالى إبليسَ لعنةً مأجولةً بأَجَلٍ مُنتهاهُ يومُ الدين؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم من حقائقَ عما يتمايزُ به يوم الدين عن أيامِ الحياةِ الدنيا. فما أن يحلَّ يومُ الدين حتى تتوقَّفَ كلُّ القوانين الإلهية التي جرَت بمقتضاها وقائعُ وأحداثُ هذه الحياةِ الدنيا لتَحِلَّ محلَّها قوانينُ إلهيةٌ أخرى هي قوانينُ الآخرةِ التي ستجري بمقتضاها وقائعُ الآخرةِ وأحداثُها ومن ذلك ما جاءتنا به الآيةُ الكريمة 39 من سورة الرحمن (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانّ). فإذا كان اللهُ تعالى يستنسخُ ما نعملُ في هذه الحياةِ الدنيا، فلا استنساخَ لأعمالِنا في الأخرة (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (29 الجاثية). فالأرضً ستُبدَّلُ يومَ القيامة غيرَ الأرض وكذلك سوف تُبدَّلُ السماوات (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (48 إبراهيم). فقوانينُ الآخرة هي غيرُ قوانينِ هذه الحياةِ الدنيا.
ولذلك فلقد لعنَ اللهُ تعالى إبليس لعنةً سوف ينتهي أجَلُها يوم القيامة حيث يُساقُ إبليسُ إلى جهنَّمَ ليُخلَّدَ فيها أبداً (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِين) (16- 17 الحشر).