
أشارت إحدى ابنتَي سيِّدِنا شُعيب على أبيها بأن يستأجِرَ سيدَنا موسى أما وقد تبيَّنَ له أنَّه “قويٌّ أمين” (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (26 القَصَص). فما الذي جعلَ إبنةَ سيدِنا شُعيب تصِفُ سيدَنا موسى بـ “القوي الأمين”؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الآيةَ الكريمة التي سبقت الآيةَ الكريمةَ أعلاه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (25 القصص). فسيدُنا موسى لم يُخفِ شيئاً مما حدث له في مصر فاضطرَّه إلى الخروجِ منها “خائفاً يترقَّب”، ومن ذلك قيامُه بقتلِ رجلٍ من قومِ فرعون وشروعُه في قتلِ رجلٍ آخر. فلقد ذكرَ سيدُنا موسى لسيدِنا شعيب كيف أنَّه وَكَزَ أحدَ الرجُلَين فقتَلَه (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (من 15 القصص).
فإبنةُ سيدِنا شُعيب لم يفُتها أن تتبيَّنَ من حديثِ سيدِنا موسى ما يكشفُ النقابَ عن “قوتِه البدَنية”، إذ قضى على رجلٍ بوكزةٍ واحدة، وكذلك لم يفُتها ما كان عليه سيدُنا موسى من “صدقٍ وأمانة”، إذ أنَّه لم يكن مضطراً إلى البَوحِ بما يحرصُ الإنسانُ عادةً على سَتره وكتمانِه مما يظنُّ أنَّه قد يُسيءُ إليه.