
ذكرتُ في عشراتِ المنشورات أنَّ تدبُّرَ القرآنِ العظيم يقتضي منا وجوبَ أن نُمايزَ بين لسانِنا العربي المعاصر ولسانِه العربي المُبين. فإخفاقُنا في هذا المسعى قد عادَ علينا بما جعلنا نحيدُ عن جادةِ الصواب وذلك بقراءتِنا لهذه الكلمةِ القرآنيةِ الكريمة أو تلك، بغيرِ لسانِها العربي المبين، قراءةً نجمَ عنها ما جعلنا نُخفِقُ إخفاقاً ذريعاً في الوقوعِ على ما انطوت عليه من معنى!
وخيرُ مثالٍ على ذلك قراءتُنا، بلسانِنا العربي المعاصر، لقَولِه تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (7-8 الشمس)؛ هذه القراءةُ التي جعلتنا نظنُّ ظنَّ السَّوءِ باللهِ تعالى، ونتوهَّمُ ما لا أساسَ قرآنياً له إذ قلنا بأنَّ معنى هاتين الآيتين الكريمتين هو “أنَّ اللهَ قد ألهمَ الإنسانَ فجورَ نفسِه وتقواها، وأنَّ ذلك هو العلةُ من وراءِ افتراقِ بَني آدم بين فاجرٍ كافر ومؤمنٍ تقي”!
وهذا قولٌ فاسدٌ يتجاسرُ على اللهِ تعالى ويجترئُ على قرآنِه العظيم، وذلك بنسبتِه فجورَ الفاجرِ، وتقوى المتقي، إلى اللهِ تعالى! وفسادُ هذا القولِ يبرهنُ عليه تعارُضُه مع مجمَلِ ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم بشأنِ مَن تقعُ عليه مسؤوليةُ اختيارِ السبيل إما شاكراً وإما كفوراً. فلو أنَّنا كنا قد قرأنا هاتَين الآيتين الكريمتَين بلسانِ القرآنِ العربي المبين، لتبيَّنَ لنا خلافَ ما انتهى إليه أولئك الذين قرأوهما بلسانِنا العربي المعاصر، ولتبيَّن لنا أن مقصودَ اللهِ هنا هو أنَّه تعالى قد بيَّن للإنسانِ سبيلَ الفجورِ وسبيلَ التقوى، وأنَّ الأمرَ للإنسانِ ليختارَ بينهما فيكونَ بذلك إما فاجراً وإما تَقياً.