
نقرأُ في الآية الكريمة 60 من سورةِ الإسراء (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). فما هي هذه الرؤيا؟ ولماذا جعلَها اللهُ تعالى فتنةً للناس؟
أرى اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلَّم رؤيا أرادَ بها أن يبتلِيَ الناسَ ويُمحِّصَ قلوبَهم. فكثيرٌ منا يُباهي نفسَه والآخرين بأنَّه أكثرُ الناسِ إيماناً! والذين عاصروا سيِّدَنا محمد صلى اللهُ تعالى عليه وسلم لم يكونوا بِدعاً من بَني آدمَ حتى يُستثنون من فِتنةِ اللهِ التي يتمايزُ بمقتضاها المؤمنُ الحَق من مُدَّعي الإيمان! ولذلك فلقد تعدَّدت طرائقُ اللهِ تعالى في فتنةِ القوم، كما يشهدُ بذلك تدبُّرُ قرآنِ اللهِ العظيم، ومن ذلك أنَّ اللهَ تعالى أرى رسولَه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلَّم أنَّه قد أُسرِيَ به إلى بيتِ المقدس ثم عُرِجَ به من هناك إلى السماءِ السابعة، وصولاً إلى سِدرةِ المنتهى التي عندها جنةُ المأوى.
فلما أن أخبرَ رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلَّم الناسَ برؤياه هذه لم يُصدِّقه منهم إلا نفرٌ قليل. ولذلك كانت هذه الرؤيا فتنةً للناس إذ افترقوا حيالَها فريقين بين مُكذِّبٍ بها ومُصدِّقٍ لها.
ولقد صدَقَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم هذه الرؤيا بالحق، إذ سُرعان ما تحقَّقت بمجيءِ سيدِنا جبريل عليه السلام ليصطحبَه صلى الله تعالى عليه وسلم في رحلةِ إسرائه من المسجدِ الحرامِ إلى المسجد الأقصى، ولِيرافقَهُ بعدها إلى جنةِ المأوى.