
كشفَ لنا القرآنُ العظيم النقابَ عن حقائقَ ما كنا لنُحيطَ بها لولا ما جاءتنا به آياتُه الكريمة. ومن هذه الحقائق حقيقةٌ تخصُّ ما سيؤولُ إليه أمرُ الإنسانِ بعد موتِه. فالإنسانُ ما أن يموتَ حتى يتوفَّاهُ اللهُ، فيتوفَّاهُ مَلَكُ الموتِ الذي وُكِّلَ به بأمرِ اللهِ وإذنِه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (من 42 الزمر)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (11 السجدة).
ثم أنَّ الإنسانَ، ومن بعدِ أن عهدَ اللهُ تعالى به إلى مَلَكِ الموتِ، يودَعُ في “كتابٍ حفيظٍ” سمَّاهُ القرآنُ العظيم “كتابَ الله” (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (56 الروم). و”كتابُ الله” هذا متواجدٌ في هذه الحياةِ الدنيا تواجداً لطيفاً خفياً مكنوناً مستتراً، ويفصلُ بينه وبين عالَمِ البشر حجابٌ سمَّاه اللهُ تعالى “البرزخ” (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (99- 100 المؤمنون).
و”كتابُ الله” هذا سمَّاهُ القرآنُ العظيم “الكتابَ الحفيظ”، وذلك لأن فيه تُحفَظُ أنفسُ مَن ماتَ من بَني آدم (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (3- 4 ق).