
يحفلُ القرآنُ العظيم بِذِكرِ العديد من “الكتبِ الإلهية”. و”الكتابُ” في القرآنِ العظيم لا يُشترطُ أن يكونَ كتاباً بالمعنى المتعارَفِ عليه. فـ “الكتابُ” في القرآنِ العظيم هو كلُّ ما يحفِظُ ما يُستَودَع فيه من شيءٍ كلماتٍ كانت أم خَلقاً مما لا نعلم عنه أيَّ شيء!
ومن كتُبِ اللهِ تعالى، التي يُستودَعُ فيها ما لا نعلمُ عنه شيئاً، كتابٌ سمَّاهُ قرآنُ اللهِ العظيم “الكتاب الحفيظ”. وهذا الكتابُ يحفظُ اللهُ فيه أنفُسَ بَني آدم بعد موتهم (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (من 42 الزُّمَر). فإذا كان بدَنُ الإنسان بعد موته يذوي ويتلاشى حتى لايبقى منه شيءٌ غيرُ بعضٍ من عظامٍ ورُفات، فإنَّ للإنسانِ نفساً إن هو ماتَ ماتت ولكن من دونِ أن تذويَ أو تتلاشى!
ولقد فاتَ كُفارَ الأُمم التي خلَت من قبلنا أن يدركوا ذلك، فظنوا وتوهَّموا أنَّ الإنسانَ لن يبقى منه شيءٌ بعد موتِه إلا عظامُه ورُفاتُه! ولذلك فلقد جادل الكفارُ على مَرِّ الزمانِ أنبياءهم المرسَلين في البعثِ والقيامة (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (49 الإسراء)، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) (من 67 النمل).
ولذلك فلم يكن غريباً أن يصفَ كُفارُ قريش بعثَ الموتى يومَ القيامة بأنَّه “رَجعٌ بعيد”، أي “أمرٌ مستبعدُ الحدوثِ مستحيلُه” (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (3 ق). فجاءهم القرآنُ العظيم بما دحَّضَ وفنَّدَ ظنَّهم هذا، وذلك بقولِه تعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (4 ق). وهذا “الكتابُ الحفيظ” هو الكتابُ الذي يشيرُ إليهِ “الذين أوتوا العلمَ والإيمان”، يومَ القيامة، بأنه “كتابُ الله” (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (55- 56 الروم).