
علَّلَ الكفارُ، في كلِّ زمانٍ ومكان، لهذا الإعراضِ من جانبِهم عن اتِّباعِ أنبياءِ الله المُرسَلين بأنَّهم ما كانوا ليتَّبعوا بشراً مثلَهم (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا) (من 27 هود)، (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) (من 10 إبراهيم)، (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) (34 المؤمنون).
إذاً فهذه هي الحجةُ التي كان يستندُ إليها الكافرون، في كلِّ زمانٍ ومكان، ليسوِّغوا لعدم اتِّباعهم أنبيائهم المُرسلين. ولقد قالَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم، في أكثرِ من موطن، إنَّه قادرٌ إذا شاءَ على أن يجعلَ كلَّ من في الأرضِ من المؤمنين (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) (من 99 يونس).
وقد يجادلُ البعضُ في ذلك فيقولون “وكيف يستطيعُ اللهُ ذلك؟”. وهنا يُجيبُنا القرآنُ العظيم بما وردَ في الآيةِ الكريمة 31 من سورة يوسف (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ). فصاحباتُ امرأةِ العزيز لم يصدِّقنَ ما كانت تقوله لهن أعينُهن من أن سيدَنا يوسف كان بشراً، فكان أن كذَّبنَ أعيُنَهن وصرخن قائلاتٍ بأنَّه عليه السلام لا يمكنَ أن يكونَ بشراً، وإنه مَلَكٌ كريم.
يتبيَّن لنا إذاً، وبتدبُّرِ هذا الذي جاءتنا به هذه الآيةُ الكريمة من سورة يوسف، أنَّ اللهَ تعالى كان بمقدوره أن يجعلَ البشرَ كلَّهم جميعاً يُصيبُهم ما أصابَ صاحباتِ امرأةِ العزيز فيؤمنوا بمن أرسلَهم إليهم أنبياءَ مُرسَلين، فيقولوا إنهم لا يمكن أن يكونوا بشراً!