
نُسِبَ إلى سيدِنا محمد الكثيرُ من “الأحاديث” التي لن يتعذَّرَ على المرءِ أن يتبيَّنَ استحالةَ أن تكونَ من حديثِه صلى اللهُ تعالى عليه وسلم. فسيدُنا محمد صلى اللهُ تعالى عليه وسلم ما كان ليصدُرَ عنه قولٌ يتعارضُ مع ما أنزلَه اللهُ تعالى عليه من قرآن. ولذلك فلا يمكنُ للمرءِ أن يُصدِّقَ ما يقولُ به أولئك الذين يزعمون أنَّ الجِنَّ هُم مَن كان “يُفسِدُ في الأرضِ ويسفكُ الدماء” قبل أن يجعلَ اللهُ تعالى سيدَنا آدم في الأرضِ خليفة. فكيفَ يستقيمُ أن يقولَ رسولُ الله عن الجنِّ ما يزعمُ به هؤلاء الجُهالُ بقرآنِ الله العظيم، وهو صلى اللهُ تعالى عليه وسلم مَن علَّمَنا ما جاءَه به هذا القرآنُ من عندِ الله من آياتٍ تُفصِّلُ حالَ الجنِّ مع اللهِ تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا.. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) (11 و14-15 الجن).
فاللهُ تعالى ما كان ليُهلِكَ الجنَّ عن بَكرةِ أبيهم، كما يزعمُ الجُهالُ بقرآنِه العظيم، ومنهم الصالحون الذين تحرَّوا رشَدا! ثم لو أننا سلَّمنا جدلاً فقلنا بما يقولُ به هؤلاِء الجُهال بقرآنِ الله العظيم من أنَّ “الله تعالى أرسلَ ملائكتَه فحاربوا الجِنَّ وأقصَوهم بعيداً إلى الجزُر النائية وغيرِها من البِقاعِ التي يتعذَّرُ على الإنسانِ الوصولُ إليها”، فهل خلَت يوماً مواطنُ سُكنى بَني آدم من أشرارِ الجنِّ وشياطينِهم؟! ولو كان الأمرُ كما يزعمُ هؤلاءِ الجُهال بقرآنِ الله العظيم، فلماذا أمرَنا اللهُ إذاً بأن نستعيذَ به من “همزاتِ الشياطين”؟ (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (97- 98 المؤمنون).
وكيف فاتَ هؤلاء الجُهال بقرآنِ اللهِ العظيم أنَّ اللهَ تعالى قصَّ علينا العديدَ من الآياتِ الكريمة التي تُفصِّلُ ما كان يحدثُ بين الشياطين وأوليائهم من الإنس؟ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) (من 112 الأنعام)، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) (50 الكهف).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ الشياطينَ، وهم كُفارُ الجن، متواجدون في حياةِ بَني آدم، وأنَّهم لم يفارقوهم يوماً حتى يكونَ للجُهال بقرآنِ الله العظيم أن يُملوا علينا ظنونَهم وأوهامَهم! فالشياطينُ يرونَنا ونحن لا نراهم، ويؤثِّرون فينا إن نحن لم نتحصَّن باللهِ تعالى منهم، وهم قادرون على أن يُضِلُّوا مَن أعرضَ عن ذكرِ اللهِ تعالى ولم يتَّبع طريقَه المستقيم الذي جاءه به دينُه القويم (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون) (من 27 الأعراف).
الآن، ومن بعدما تبيَّن لنا أنَّ الملائكةَ لم تقُم بإقصاءِ الشياطين و”إبعادِهم إلى الجزُر النائية”، فمن الذي كان إذاً “يُفسِدُ في الأرضِ ويسفكُ الدماء” قبل أن يجعلَ اللهُ تعالى آدمَ في الأرضِ خليفة؟