
“أولو العِلم” في القرآن العظيم هم “أولو الألباب” الذين يتفكَّرون في الدنيا والآخرة، وفي خلقِ السمواتِ والأرض، وهم العلماء الذين امتدَحَهم اللهُ تعالى بوَصفِهِ لهم أنَّهم أشدُّ عِبادِهِ خشيةً له وأكثرُهم خوفاً ووَجلاً منه، فقال فيهم “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (من ٢٨ فاطر).
و”أولو العلم” هؤلاء هم الذين انتهى بهم تفكُّرُهم في خَلقِ السمواتِ والأرض إلى حقيقةٍ مفادُها أنَّ اللهَ تعالى ما كان ليخلُقَ الإنسانَ عبَثاً، وما كان له أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ باطلاً، وأنَّ كلَّ ما في الدنيا من شيءٍ إنما يُذكِّرُ بأنَّ وراءَ ظاهرِها باطناً مُغيَّباً لا يُنكِرُهُ إلا أولئك الذين لم يُقدَّر لهم أن يعلموا إلا هذا الظاهرَ فحسب! لذلك كانَ “أولو العلم” هم أكثرُ الناسِ إيقاناً بأنَّ اللهَ تعالى لم يكن ليذَرَ الدنيا تنفردُ بالعقلِ المتفكِّرِ المتدبِّر دون أن يُخالِطَ وقائعَها وأحداثَها كلُّ ما هو كفيلٌ بأن ينتهِيَ بهذا العقلِ إلى القطعِ والجزمِ بأنَّ هذه الدنيا لن يُمكَّنَ من فَكِّ طلاسِمِها، ومعرفةِ أسرارِها، إلا مَن صدَّق ما جاءه به من عندِ اللهِ تعالى دينُهُ القَويم من إخبارٍ وإنباء بأنَّ الآخرةَ آتيةٌ لاريبَ فيها، وبأنَّ ما مِن سبيلٍ لَفَقهِ العلةِ من وراء وقائعِ الدنيا وأحداثِها إلا بأن يُنظَرَ إليها بِعَينِ عقلٍ يُقرُّ بأنَّ الآخرةَ هي الحقُّ الذي ما زاغَ عنه إلا هالك.