
جادلَ كفارُ قريشَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في البعث من بعدِ الموت فقالوا فيه ما سبق وأن قاله أشياعُهم وأمثالهم من كفار الأمم التي خلت من قبلِهم: (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (٤٩ الإسراء)، (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥ الرعد)، (قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٨٢ المؤمنون)، (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (٣٨ النحل).
ولقد فَنَّدَ اللهُ تعالى مزاعمَ كفارِ قريش ودَحَضَها بقوله تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (٤ ق).
فاللهُ تعالى يعلمُ ما تنقصُ الأرضُ من أبدانِ بني آدمَ بعد موتهم، حتى لا يتبقى منها إلا قليلاً من الرُّفاتِ والعظام. إلا أن هذا لا يلزمُ عنه وجوبُ ألا يبقى من الإنسان بعد موته شيء! فذلك ظنُّ من لا يعلمُ بأن لدى اللهِ تعالى كتاباً حفيظاً تُحفظ فيه الأنفس بعد موتها حتى تقومَ الساعةُ ويجيءَ يومُ البعث: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٥٥-٥٦ الروم).