
يُصِرُّ البعضُ على القولِ بأنَّ الأسباطَ الذين وردَ ذكرُهم في القرآنِ العظيم هم ليسوا أبناءَ سيدِنا يعقوب! ويبرِّرُ هذا البعضُ لزعمِهم هذا بأنَّ الأسباطَ كانوا أنبياء، وأن الأنبياء لا ينبغي لهم أن يصدرَ عنهم ما قامَ بفعلِهِ إخوةُ يوسف من تآمرٍ على أخيهم وكذبٍ على أبيهم وتفكيرٍ خبيثٍ جعلهم يقترحونَ قتلَ أخيهم سبيلاً للتخلُّصِ منه!
ويُقدِّمُ هذا “التخريجُ المنطقي” مثالاً يُظهِرُ مدى تسلُّطِ منهجِ الإحتكامِ إلى العقل، وتحكيمِ أحكامِهِ في النصوصِ القرآنية، على عقولِ هؤلاء الذين فاتَهم أن يُدرِكوا أنَّ “المنطقَ البشري” و”المنطقَ القرآني” قد يلتقيانِ أحياناً، إلا أنَّ هذا لا يُسوِّغُ لنا أن نُعمِّمَ فنقولَ بأنَّ المنطقَين متماهيانِ متطابقان على الدوام!
فإن كانَ اللهُ قد اختارَ أبناءَ سيدِنا يعقوبَ ليكونوا من أنبيائهِ المُرسَلين، فإنَّه تعالى هو أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَه (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (من ١٢٤ الأنعام). وإذا كان منطقُنا البشري يستصعبُ أمراً كهذا الذي يقتضيهِ القولُ بأنَّ الأسباطَ لا يمكنُ أن يكونوا أبناءَ سيدِنا يعقوب الذين صدرَ عنهم ما لا ينبغي من قولٍ وفعل، كما تظنُّ عقولُنا وتتوهم، فمن قالَ بأنَّ الأمرَ مَنوطٌ بمنطِقِنا البشري هذا حتى يتجاسرَ البعضُ منا على صريحِ النَّصِّ القرآني فيقولَ في أبناءِ سيدِنا يعقوب ما يحلو له ويشاء؟!
لقد كان يكفي أولئك الذين اجترئوا على قرآنِ اللهِ العظيم، فقالوا في أبناءِ سيدِنا يعقوب ما قالوا، أن يتدبَّروا التلاحقَ بين ذِكرِ “يعقوب” و”الأسباط” في جميعِ المواطنِ التي وردَ فيها ذكرهما في القرآنِ العظيم، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذهِ المَواطنِ كلِّها جميعاً:
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (١٣٦ البقرة).
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٠ البقرة).
(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٨٤ آل عمران).
( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) (١٦٣ النساء).