
كثيرٌ منا لا يريدُ أن يُصَدِّقَ أن لغةَ القرآن العظيم قد حباها اللهُ تعالى ب “لسانٍ عربيٍ مبين”، فجعلها ذلك تتمايزُ، في مواطنَ قرآنيةٍ عديدة، عن لغتنا العربية اليوم.
فنحن نُصِرُُ على أن نقرأَ النصَّ القرآني الكريم قراءةً نفترض بمقتضاها أن لا فرق هنالك على الإطلاق بين لسان القرآن العربي المبين ولساننا الذي اعوَجَّ بتقادم الأعوامِ والسنين! وإلا فمَن منا يقرأُ نصوصَ القرآنِ العظيم قراءةَ “لسانٍ عربيٍ مبين” لا قراءةَ لسانٍ خالطته عُجمةٌ ومازجه لحنٌ حتى ما عادَ بمقدورِ الإنسانِ العربي اليومَ أن يتبين معانيَ كثيرٍ من آياتِ قرآنِ الله العظيم؟!
وفي هذا المقالِ سوف أكتفي بسَوقِ مثالٍ بوسعه أن يُلقيَ الضوءَ على ما تقدَّمَ ذكرُهُ ليتبيَّن لنا بعدها أنني غيرُ مخطئٍ إذ أدعو إلى وجوبِ “تعلُّمِ لغةِ القرآن”، وذلك قبل أن نسارعَ إلى القول في آيات قرآنِ الله العظيم ما يتناقضُ ويتعارضُ مع مرادِ هذا القرآن.
وهذا المثالُ هو ما تتكفلُ بإيضاحه الآيةُ الكريمة 60 من سورة الزخرف: (وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ).
فكثيرٌ منا يظنُ واهماً بأن المعنى الذي تنطوي عليه هذه الآية الكريمة واضحٌ جليٌ جَلاءَ الشمسِ رابعةَ النهار! إلا أن هذا الظن الواهم هو أبعدُ ما يكون عن الحقيقة! ويكفينا أن نستوثق هذا الأمرَ وذلك بأن نستعرضَ ما وردَ بشأن هذه الآية الكريمة في ما بينَ أيدينا من تفاسيرَ شتى ونقارنَهُ بما تُحيلنا إليه قراءتُها بلسانِ القرآن العربي المبين. فوفقاً لهذا اللسان الكريم فإن المعنى الذي تنطوي عليه هذه الآية الكريمة بالإمكان ايجازه بالكلمات التالية: “ولو نشاءُ لجعلنا “من بعدكم”، معشرَ بني آدم، ملائكةً في الأرضِ يخلِفونكم”.
يتبين لنا، وبتدبر ما تقدم، أن قراءة الآيةِ الكريمة 60 من سورة الزخرف أعلاه بلسانِ القرآن العربي المبين قد انتهت بنا إلى القولِ بأن الله تعالى قادرٌ، إذا يشاءُ، على أن يذهبَ بمن في الأرضِ من البشر ويُنزِّلَ ملائكةً من السماءِ تسكنُ الأرضَ من بعدهم.