الإنسانُ إذ يؤلِّهُ عَقلَه ويُؤنسِنُ ربَّه!

لماذا يُناصِبُ الإنسانُ اللهَ العَداء؟ سؤالٌ لابد وأن يتبادرَ إلى ذهنِ كلِّ مَن تجاسرَ على الخروجِ على ما يدعوه إليه “الإنسانُ” الذي في داخلِه. فالإنسانُ فينا جُبِلَ على كلِّ ما يجعلُ منه لا يرضى بغيرِ هواهُ إلهاً! وإن أنت محَّصتَ السوادَ الأعظمَ من أولئكَ الذين يتباهون بهذا الذي هُم عليه من “حُسنِ تديُّنٍ”، بأيِّ دينٍ كان، فلن يكونَ بالمتعذَّرِ عليك أن تتبيَّن أنَّهم في حقيقةِ الأمرِ إنما يتفاخرون بإلهِهم الذي إياهُ يعبدون حقاً! وهذا الإلهُ الذي يتعبَّدُ له السوادُ الأعظمُ ممن يتوهَّمونَ أنَّهم على شيء هو ليس إلا الهوى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (23 الجاثية). ولذلك فلقد حرصَ الإنسانُ، وهو يسعى جاهداً لتأليه عقله، على أنسنةِ ربِّهِ وذلك في محاولةٍ منه لجعلِ غيرِه يُشاركُهُ اعتقادَه فيتعبَّدُ معه له! فأولى الخطواتِ على طريقِ تأليهِ الإنسانِ عقلَه هي بأن يؤنسِنَ الإنسانُ ربَّه فيجرِّدَه من كلِّ ما يجعلُ منه متعالياً عليه متمايزاً عنه! ولذلك خرجَ علينا أولئك الذين قالوا في اللهِ تعالى ما لا يستقيمُ مع ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم! وما ذلك إلا لكي يكونَ لهم من بعدُ أن يفرضوا علينا أنفسَهم آلهةً نتعبَّدُ لها كما يتعبدون!
لقد أنزلَ اللهُ تعالى رسالاتِه على أنبيائِه المُرسَلين وكفلَ لكلِّ مَن يهتدي بهَديها، ويتَّبعُ ما تدعوه إليه، أن يحيا حياةً طيبةً في الدنيا وفي الآخرة. وتوعَّدَ كلَّ من يخالف عن أمرها ويتَّبع ما تدعوه إليه نفسُه ويُزيِّنُه له عقلُه وهواه بأن يعيشَ هذه الحياةَ الدنيا معيشةً ضنكاً ثم يُخلَّدَ في النارِ أبدَ الآبدين.
إن أولى الخطوات على طريقِ الهدى هي بأن يعملَ الواحدُ منا جاهداً ما استطاعَ على ألا يُصغِيَ لما يدعوه إليه هواهُ من أنسنةٍ للهِ تعالى هي كلُّ ما يقتضيه الأمرُ حتى ينتهيَ به ذلك بعدها إلى تأليهٍ لنفسِه وتعبُّدٍ لعقلِه وخضوعٍ بالتمامِ والكلية لهَواه! فاللهُ هو الله، والإنسانُ هو الإنسان، فلا تماهي ولا مضاهاة بينهما! فعلامةُ تديُّنُك التديُّن الحق بدين الله الحق ألا تنسى الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أنَّ الضالَّ المُضِل هو مَن أخلَّ بالحدودِ التي تفصلُ بين الإنسانِ وبين الله. فكلُّ مَن التبسَ عليه الأمرُ فقالَ في اللهِ ما لا ينبغي، وظنَّ بعقلِه ما لن ينبغي له أبداً، هو الضالُّ المُضِلُّ الذي لا أملَ يُرتجى له طالما كان من أولئك الذين صدقَ عليهم إبليسُ ظنَّه إذ جعلَ واحدَهم يُصدِّقُ أنَّه إلهٌ حقاً!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s