
وردت عبارةُ “فطرت الله” في القرآن العظيم مرةً واحدةً فحسب: “فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (30 الروم). فما هي “فطرت الله”؟ وهل هي حقاً، كما شاعَ فينا وراجَ، ما يجعلُ المرءَ يولدُ مسلماً وذلك قبل أن يعمدَ ابواهُ، إن كانا غيرَ مُسلِمَين، إلى تلقينهِ ديناً آخر؟
يُعين على الإجابة على هذا السؤال أن نستذكر الحقيقة القرآنية التي مفادها أن اللهَ تعالى هو من عَلَمَ الإنسانَ الدين وذلك عندما تلقى آدمُ من ربه كلماتٍ كانت أولَ ما صدرَ عن الله من هذا الدين: (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (37 البقرة).
فالله تعالى هو الذي خلقَ الإنسانَ وعلمه البيان: (الرَّحْمَٰنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (1-4 الرحمن). وهذا الذي علَّمه الله تعالى لأبينا آدمَ هو الفطرةُ التي فَطَرَ الناسَ عليها. ففطرةُ اللهِ هي دين الله الذي تعلمه آدمُ من الله. وبذلك فإن فطرةَ الله لا يمكنُ، على الإطلاق، أن تكون كما نظن ونتوهم من أنها “شيءٌ ما” يولد كلُ إنسانٍ به فيجعلُه مُلزماً بأن يكونَ على الإسلام ما لم يتدخل أبواه، إن كانا غيرَ مُسلِمَين، فيجعلانه على دينهما!
لقد تعين على “فطرت الله” أن ينالها من السواد الأعظم من البشر، على مر العصور وتعاقب الدهور، ما نالها مما اقتضى وجوبَ أن يعمد اللهُ تعالى إلى إرسال الرسل مُبشرينَ ومُنذرينَ ومُذكرينَ بالتالي ب “فطرت الله” كما تعلمها آدمُ من اللهِ تعالى أولَ الأمر.