في معنى الآية الكريمة ٥ السجدة… سيِّدُنا جبريل إذ ينزلُ بآياتِ القرآنِ مِنَ السماءِ إلى الأرضِ بإذنِ الله

في القسم الأول من هذا المنشور، والذي كان بعنوان “في معنى قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)”، ذكرتُ أن سيدَنا جبريل هو الذي تشير إليه هذه الآيةُ الكريمة. 
وفي هذا المنشور سوف أورد بعضاً من الأدلة والبراهين التي تؤكد ذلك.
بدايةً، لابد لي من أن أُذكِر بأن “الأمرَ” المذكور في هذه الآية الكريمة هو “آياتُ القرآنِ العظيم”. فالكلمةُ القرآنيةُ الكريمة “الأمرُ” ترد في القرآن العظيم بمعانٍ عدة؛ منها “آيات القرآن العظيم”. ويؤكد ذلك ما بوسعنا أن نتبينه بتدبر ما جاءتنا به سورة الطلاق في الآيةِ الكريمة 12 منها: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ).
ف “الامرُ” في هذه الآية الكريمة هو ما بوسعنا أن نتبينَ معناه بتذكرنا ما جاءتنا به الآية الكريمة 5 من سورة الطلاق: (ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا).
فسيدنا جبريل هو من أوكل إليه الله تعالى أمرَ النزول بالقرآن العظيم على قلب سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم: ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (192-195 الشعراء). 
وقد يجادلُ البعضُ فيقولُ إن الله تعالى قد حسم الأمر في قرآنه العظيم وذلك بأن عَرَّفت آياتُ هذا القرآن مَن يُدبرُ الأمرَ بأنه اللهُ تعالى: 
1- (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (3 يونس).
2- (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (31 يونس).
3- (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (2 الرعد).
لكن يبدو أن هذا البعض قد فاتهم أن الله تعالى قد ذكر في قرآنه العظيم أنه هو مَن يتوفى الأنفس: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ)(من 42 الزمر)، وأنه تعالى قد قال أيضاً (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (11 السجدة)، وأنه تعالى قال أيضا: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) (من 61 الأنعام). 
فهل من غيرِ الصوابِ أن نقول إن الإنسانَ يتوفاه ملَكُ الموت؟! وهل من الخطأ أن نقول إن الانسانَ إذا ما جاءه الموت توفته رُسل الله؟!
يتبين لنا، وبتدبر ما تقدم، أن لا ضير هنالك على الإطلاق في القول بأن سيدنا جبريل “يدبر الأمر” طالما قد وقر لدينا أنه عليه السلام يفعل ذلك بإذن الله؛ هذا الإذن الإلهي الذي بمقتضاه كان سيدُنا عيسى عليه السلام يحيي الموتى ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي) (من 110 المائدة). 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s