في معنى قوله تعالى “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا”

هذا هو المنشورُ الرابع من سلسلة المنشورات التي خصَّصتُها للحديث عن التفسير الذي كان سائداً ايامَ الإسلام الأولى لبعضٍ من آيات القرآن العظيم لم تتمكن مدارسُ “التفسير التقليدي” من مقاربتها وبما يمكننا من الإحاطة بمعناها الذي تنطوي عليه. فمدارس “التفسير التقليدي” تأثرت بما كان قد أصاب اللسانَ العربي من اعتلالٍ حتَّمه اختلاطُ العربِ بالأعاجم والذي عادَ علينا وبما جعلنا عاجزين عن فقه معنى كثيرٍ من آيات القرآن العظيم الفهمَ الصائبَ الصحيح. وإلا فكيف انتهى بنا الأمرُ حتى وقرَّ لدينا أن المعنى الذي ينطوي عليه قوله تعالى: “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا” هو ما بالإمكان إيجازه وتلخيصه بالكلمات التالية: “إن الله لا يكترث لشيءٍ من أمركم ولن يُؤتيَكُم ما تريدون إن أنتم أعرضتم عن دعائه. فدعاؤكم هو سبيلكم لنيل ما ترجون من الله. ولأنكم كذبتم فسوف يكونُ لزاماً على الله أن يعذبَكم”.
وهذا، لا يمكن بحالٍ من الأحوال، أن يُمثِل معنى قوله تعالى الواردِ أعلاه، وذلك لأننا لو سلمنا جدلاً بأن معناها هو ما أوجزتُهُ أعلاه فإن ذلك سيلزَم عنه، بالضرورة، تناقضٌ يشتمل عليه هذا المعنى! فالكلمة القرآنية الكريمة “دُعَاؤُكُمْ” لا تعني “توجُهَكم” إلى الله بالسؤال والدعاء، ولكنها تعني توجهَ اللهِ تعالى إليكم إذ يدعوكم إلى الإيمان به وبرسوله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم! فالله تعالى ليس بمحتاجٍ للبشر حتى يعبأ بهم. والله تعالى إن يعبأ بالبشر فما ذلك إلا لأنه هو الذي خلقهم، وهو من يتعين عليه بالتالي أن يدعوهم إليه برسالاته التي أنزلها على رُسله؛ ولأنكم “أيها الكافرون” قد كذبتم رُسلي فسوف يكونُ لزاماً عليَّ أن أعامِلَكُم المعاملة التي عاملتُ بها الذين كذبوا رُسلي قبلَكم”.
يتبين لنا إذاً، وبتدبر ما تقدم، أن قولَه تعالى “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا” لا تشابه بينه وبين قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (من 60 غافر).
أختم منشوري هذا بتذكيرٍ بالحقيقة القرآنية التي مفادها أن معنى الكلمة القرآنية الكريمة لا يحدِّده مبناها. فمعنى الكلمةِ القرآنيةِ الكريمة يتحدد وفقاً للسياق الذي ترد فيه. فكلمة “دعوة” في القرآن العظيم لها أن تجيءَ بمعنى دعاء، وذلك كما يتبين لنا بتدبر ما جاءتنا به سورة يونس في الآية الكريمة 89 منها: (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). فمن الواضح أن كلمةَ “دعوة” في هذه الآية الكريمة تعني “دعاء”، وكذلك هو الحالُ مع كلمة “دعاء” في قوله تعالى: “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا” التي تعني هنا “دعوة”، وهي أن تدعو أحداً الى أمرٍ ما؛ والأمر هنا هو دعوة الله تعالى الناسَ إلى اتِّباع هَديِهِ الذي أرسلَ به رُسلَه الكرام.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s