
يتوجَّهُ اللهُ تعالى في هذه الآيةِ الكريمة إلى عمومِ البشرِ بخطابٍ مفاده أنه قادرٌ ، إذا يشاء، على أن يجعلَ في الأرض “بدلاً منهم” ملائكةً يخلُفُونهم.
وتُفند هذه الآيةُ الكريمة مزاعمَ أولئك الذين يجادلون في معنى كلمةِ “خليفة” في القرآن العظيم، إذ يُضفونَ عليه ما لا طاقةَ له بحمله، وذلك حين يقولون بأن هذا المعنى يشتمل على دلالاتٍ ذاتِ صلةٍ ب “الحكم والسلطة”؛ وهي دلالاتٌ بالغةُ التأثيرِ عليهم وتضرب بجذورها عميقاً في عقولهم، وهم المهووسون والمفتونون بالتسلطِ على رقاب العباد طالما كانوا هم الأجدرُ، بزعمهم، بالتحكم بمواردِ وإيرادات البلاد!!!
فالقرآن العظيم بَيَّنَها واضحةً جلية لا لبسَ فيها ولا شُبُهات، وذلك بتحديده للمعنى الذي تنطوي عليه كلمةُ “خليفة”؛ هذا المعنى الذي هو ليس بأكثرَ من تبيانٍ لهذا الذي يقوم به الله تعالى من “استخلافٍ لمن يشاءُ” يُصبح بمقتضاهُ “المستخلفُ” خليفةً، وذلك من بعد أن يأذنَ اللهُ بزوال من حقت عليه كلمةُ العذابِ والزوال: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (133 الأنعام)، (قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (من 129 الأعراف)، (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (57 هود)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون) (55 النور).