
نقرأُ في سورة البقرة، وفي الآية الكريمة 255 منها ما مفاده أن كرسيَّ اللهِ تعالى وسعَ السمواتِ والأرض: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (من 255 البقرة). فما الذي يَعنيه أن يكونَ كرسيُّ اللهِ قد وسِعَ السمواتِ والأرض؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكر ما يُخبرنا به القرآنُ العظيم من أن حضورَ اللهِ تعالى في الوجود هو ما يكفُل لهذا الوجودِ أن يتماسكَ ويبقى فلا يزولَ ويفنى، وذلك قبل أن يأذنَ اللهُ بقيام الساعةِ التي لن يبقى أيُّ أثرٍ لهذا الوجودِ بعدها.
فالله تعالى هو الذي يُمسك السماءَ أن تقع على الأرض: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (65 الحج).
واللهُ تعالى هو مَن يُمسكُ السمواتِ والأرض حتى لا تزولا: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (41 فاطر).
وهذا الحضورُ الإلهي في الوجود يتجلى في قدرةِ الله تعالى على الإحاطةِ بكل ما فيه هيمنةً عليه وعلماً به. فالله تعالى وسع كلَ شيءٍ رحمةً وعلما: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا) (من 7 غافر). وكرسيُّ اللهِ إذ وسِعُ السمواتِ والأرضَ فما ذلك إلا لأن الله تعالى هو من تفرد بالتحكم بكل شيءٍ فيهما سطوةً عليه وتسلطاً لا يملك الشيءُ حيالهما غير أن يُذعن مُقِراً بأن اللهَ هو القاهرُ فوقه؛ كيف لا واللهُ تعالى هو المتحكم بما سبق وأن بثَّه في السموات والأرض من قوانين وأسبابٍ أخضعَ لها كلَّ ما في الوجود، وهو إن شاء تسلَّطَ عليها فلا يجعلُ لها بالتالي ما يمكِّنُها من أن تفعل أي شيءٍ على الإطلاق.
ولقد قدمت لنا الآية الكريمة 255 من سورة البقرة ما هو كفيلٌ بتبيان هذا الذي هو بمقدور الله تعالى أن يفعله من احاطةٍ بالسموات والأرض ما كان لها أن ترهقه فيعجزَ عن التكفل بها: ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (من 255 البقرة).