في معنى الآية الكريمة (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

عندما تبين إخوةُ سيدِنا يوسفَ أنهم قد أخطأوا إذ فعلوا فيه ما فعلوا ما كان منهم إلا أن أقروا بذنبهم: (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) (91 يوسف). وهنا بادر سيدُنا يوسفُ إخوتَه بأن قال لهم ألا يخافوا ولا يحزنوا وبأن اللهَ تعالى سوف يغفرُ لهم: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (92 يوسف). ويلاحظُ هنا ان سيدَنا يوسفَ كان واثقاً كلَّ الثقة من أن الله تعالى سيغفرُ لإخوته. ولذلك فهو لم يستغفرِ الله لهم، وذلك كما فعل سيدُنا يعقوبُ الذي سأله بنوه أن يستغفرَ لهم ذنوبَهم فأجابهم بأنه فاعلٌ ما سألوه: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (97-98 يوسف). فلماذا لم يقل سيدُنا يعقوبُ ما قالَه سيدُنا يوسفُ من أن الله تعالى غافرٌ لهم ذنوبَهم؟ ولماذا توجَّهَ عليه السلام إلى الله تعالى يسألُه أن يغفرَ لبَنيه ذنوبَهم؟ 
والآن لنقارن هذا بما بدرَ من سيدِنا يوسفَ من قولٍ يقطُرُ ثقةً مفادُه أن الله تعالى سيغفرُ لإخوته ما جنته أيديهم بحقه.
فكيف تأتى لسيدنا يوسفَ أن يقول ذلك وبكل هذه الثقة؟ 
يعين على الإجابة على هذا السؤال، وعلى ما سبقه من أسئلة، أن نستذكر ما اختصَّ اللهُ تعالى به سيدَنا يوسفَ من علمٍ “حُجِبَ” عن كثيرٍ ممن عاصروه من عباد الله المؤمنين؛ ومنهم أبوهُ سيدُنا يعقوبُ عليه السلام. 
صحيحٌ أن الله تعالى اختصَّ سيدَنا يعقوبَ بعلمٍ حُجِبَ عن بَنيه، إلا أن الله تعالى قد “حَجَبَ” عنه ما كان قد علَّمَ إبنَه يوسفَ من علم.
فإذا كان اللهُ تعالى قد علَّمَ عبدَه يعقوبَ عِلماً خصَّه به، فالله تعالى قد اختص سيدَنا يوسف هو الآخر بعلمٍ لم يُطلع عليه أحداً غيرَه.
فالله تعالى قال في سيدنا يعقوب: (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (من 68 يوسف)، (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (من 86 يوسف). 
والله تعالى قال أيضا في سيدنا يوسفَ ما جاءتنا به سورة يوسف في آيتها الكريمة 6 منها: (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚإِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) والآية الكريمة 101 منها: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ).
وليس هذا بالأمر المستغرب؛ فلقد حفظت لنا سورة الأنبياء ما كان من أمر سيدنا داودَ وسيدِنا سليمانَ مع الله الذي اختص سيدَنا سليمانَ بعلمٍ لم يُطلع عليه أباه داودَ عليه السلام: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (78- من 79 الأنبياء). 

One comment

  1. لا تثريب عليكم
    يعني سامحهم فيما اقترفوا في حقه .

    يغفر الله لكم دعاء بأن يغفر الله لهم ولا يعني الثقة أن الله سيغفر لهم لازاما كما تفضلتم .

    استخدام المضارع في الدعاء كثير منه تشميت العاطس “يرحمكم الله”

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s