
ليس هنالك من حَدٍّ يفصلُ بين “عالَم الشهادة” و “عالَم الغيب”. فكلا العالَمين يتداخلُ أحدُهما مع الآخر تداخلاً ليس بمقدورنا أن نتبيَّنَه على ما هو عليه حقاً وحقيقة طالما كان عالَمُ الغيب مغيَّبَاً عن إحاطتنا وإدراكنا. فعالَمُ الغيب حاضرٌ في عالَمِنا حضوراً يبرهن عليه هذا الذي هي عليه حياةُ الإنسانِ الذي ينظرُ حواليه فلا يرى مَن ينظرُ إليه من كائناتِ عالَم الغيب التي تراه بينما يعجزُ هو عن رؤيتها. فالقرآنُ العظيم يُخبرنا بأن الشيطانَ يرانا هو وباقي الشياطين في الوقت الذي نعجز نحن عن رؤيتهِ ورؤيتِهم: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) (من 27 الأعراف).
وهذا التواجدُ الخَفيُ اللطيف لعالَم الغيب في عالَمنا هو ليس كلَّ ما هنالك من “حضورٍ لطيفٍ” للغيب في حياتنا. فالله تعالى قادرٌ على أن “يُغَيِّبَ” ما يشاءُ من مفردات عالَم الشهادة فيجعلُنا بذلك عاجزين عن رؤيتها وعن “التواصل المعرفي” معها!!! وقدرةُ اللهِ تعالى هذه على “تغييبِ” ما يشاءُ من مفرداتِ عالَم الشهادة لا تعرفُ لها حدوداً على الإطلاق. فالله قادرٌ على أن “يُغيِّب” ما يشاء من مفرداتِ “عالَم الشهادة” عن إدراكِ وإحاطةِ كائناتٍ لا تنتمي لهذا العالَم. وهذا هو عين ما حدث فجعل الملائكةَ عاجزينَ عن إنباء الله تعالى بأسماء أبينا آدم وزوجِه وذلك عندما طلب منهم أن يُنبؤه بأسمائهم: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (31-32 البقرة). فالله تعالى “غَيَبَ” أسماءَ آدم وزوجِه عن إحاطة وإدراك الملائكة وذلك بأن ألقى “حجاباً” عليهما حالَ دون أن يكون بمقدور أحدٍ من الخلق أن يعلمَ عنهما أمراً ذا صلةٍ بما اختصَّهما به من أنباءٍ وعلم.