
ليس لله مشكلةٌ مع الإنسان حتى يكون للإنسانِ أن يواظبَ على هذا النأي والابتعاد عن الله وإلى الحد الذي يجعلُه يغُذُ السيرَ والجريَ فِراراً من الله إلى سواه! فالمشكلة بين الله والإنسان اصطنعها الإنسانُ بهذا الذي جَرَّه عليه من وبيل الشرور إصرارُه على الإصغاءِ والإنصاتِ لما تأمره به نفسُه ويزينه له هواه.
فمتى إذاً بدأ كلُّ ذلك؟
لقد خلق الله الإنسانَ في أحسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4 التين). والإنسانُ هنا هو آدمُ الذي بدأ اللهُ تعالى خلقَه من طينٍ ليكتمل تَخلُقُه فيما بعد بنفخ الله تعالى فيه من روحه: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ) (من 7 السجدة)، (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (من 59 آل عمران).
ولقد كَفَلتْ “خِلقةُ أحسنِ تقويم” هذه لأبينا آدمَ أن يستخلِفَه اللهُ تعالى في الأرض فيجعلَه فيها خليفةً وذلك من بعد القضاء على مَن كان يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) (من 30 البقرة).
ولقد تَكفَّلت هذه “الخِلقةُ الفريدة” بجعل أبينا آدمَ مؤهلاً لسُكنى الجنة مع ملائكة الله الكرام (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (19 الأعراف).
غير أن أبانا آدمَ أصغى لأبليس فأكل، وزوجُه، من تلك الشجرة، فكانت تلك هي بدايةُ مشكلةِ الإنسان مع الله تعالى والتي تمثَّلت حينها بعصيان أبينا آدم لله تعالى. إلا أن أبانا آدم سُرعان ما تدارك الأمرَ إذ أدرك أن ما آل إليه أمرُه من خروجٍ عن “مقام أحسن تقويم” يعودُ إلى ما جرَّه عليه أكلُه من تلك الشجرة. فما كان منه هو وزوجه إلا أن استغفرا ربَّهما فغفرَ لهما (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (23 الأعراف). وهذا الدعاء الشريف هو الكلماتُ التي تلقَّاها أبونا آدمُ من الله تعالى (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (37 البقرة).
وبذلك انتهت مشكلةُ أبينا آدمَ مع الله لتبدأً من بعدها مشكلةُ بني آدمَ مع الله! صحيحٌ أن هذه المشكلة بدأت ما أن ذاق أبوانا، آدمُ وزوجُه، من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها، إلا أن الإنسان أبى إلا ان يُفاقِم مشكلتَه هذه وذلك بإصراره على الإعراض عن هَدي الله، الذي توجَّب عليه وتحتَّم أن يتَّبعَه، حتى لا يكون من الهالكين، أكلُ أبويه من تلك الشجرة: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (38-39 البقرة)، (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (35- 36 الأعراف).