
أكتنفَ كلمةَ “خليفة”، التي وردت في القرآن العظيم مرتين، كثيرٌ من اللبس حتى ما عادَ بمقدورنا أن نتبين معناها الحقيقي. ويعودُ هذا اللبسُ إلى ما لهذه الكلمةِ القرآنيةِ الجليلة من تداعياتٍ أسبغها عليها أولئك الذين أبوا إلا أن يُحكِّموا عقولَهم في النص القرآني الكريم ظناً منهم وتوهماً أن هذا التحكيمَ هو مفتاحُ فقهِ هذا النص الجليل!
ولذلك فلم يكن بالغريب ولا المستعجب أن يَخرُج علينا من يستندُ إلى الكلمةِ القرآنيةِ الجليلة “خليفة” في طرحه لهذا الذي يراه التعريفَ بالمهمة التي أوكلَ الله تعالى إلى الإنسانِ القيامَ بها!
فالإنسانُ، وفقاً لمن يُصرُّ على هذا “التسييس” لكلمة “خليفة”، خُلق لعمارة الأرضِ وليمارسَ بالتالي دوره في التسيُّدِ على مخلوقاتها كلِّها جميعاً! ولو أن من قام ب “تسييس” كلمة “خليفة” تدبرَ القرآن العظيم لتبين له أنْ ليس في هذا القرآن ما يشيرُ من قريبٍ او بعيد إلى أن لهذه الكلمة القرآنية الجليلة أن تنطويَ على هكذا معنى!
لنتدبر الآيتين الكريمتين الوحيدتين اللتين تشتملان على كلمة “خليفة”:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (من 30 البقرة)، و(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (من 26 ص).
فالله تعالى استخلف آدم عليه السلام في الأرض وذلك من بعد ما أهلك من كان يُفسد فيها ويسفك الدماء. ثم أن الله تعالى استخلف داوودَ عليه السلام في الأرض وذلك من بعدما أهلك جالوتَ وجنوده: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) 251 البقرة.
يتبين لنا، وبتدبر ما تقدم، أن الكلمةَ القرآنيةَ الجليلة “خليفة” لا تنطوي على أي معنى ذي صلةٍ ب “عمارة الارض” وأن المعنى الوحيد الذي تنطوي عليه ذو صلةٍ ب “اصطفاءِ” الله تعالى من يشاءُ من عباده “خَلَفاً” لمن شاءت إرادتُه أن يُبيدَهم ولا يُبقيَ عليهم.