
جعل اللهُ تعالى آدمَ في الأرض خليفة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (من 30 البقرة).
ولأن اللهَ تعالى جعل آدمَ في الأرض خليفة فإن ذلك يلزم عنه بالضرورة وجوبُ القولِ بأنه كان هنالك في الأرضِ مَن أبادهم اللهُ تعالى وأبقى على آدمَ من بعدهم في الأرض خليفة. فمَن كان هؤلاءِ الذين جرُّوا على أنفسهم عذاب اللهِ تعالى هذا؟ يُعينُ على الإجابة على هذا السؤال أن نستذكر قول الملائكةِ في آدمَ، إذ ظنوا أنه لا يختلف في شيءٍ على الإطلاق عن أولئك الذين كانوا يُفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، ولذلك فهو ليس أهلاً لأن يُبقيَ الله تعالى عليه فلا يُهلكَه معهم، ذلك أن اللهَ تعالى كان قد أصدر إلى الملائكةِ أمرهُ بأن يُبيدوا ويُهلكوا كلَّ من كان يفسد في الأرض ويسفك الدماء على ان يُبقوا على آدمَ في الأرض خليفةً من بعدهم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) (من 30 البقرة).
يتبين لنا إذاً وبتدبر ما جاءتنا به هذه الآية الكريمة أن آدمَ لم يكن كقومه مفسداً في الأرض سفاكاً للدماء، وإلا لما استثناه الله ولَما أبقى عليه خليفةً في الأرض من بعد إهلاكهم. صحيحٌ أن آدمَ نشأ وترعرعَ في ربوع هؤلاء القوم الذين كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، إلا أن الله تعالى كان قد “أنشأه خلقاً آخر” وذلك بأن نفخ فيه من روحه فقال له ( كن فيكون) فصار، وبمقتضى هذه النفخةِ الإلهية، مخلوقاً يختلف بالتمام والكلية عن قومه. وبذلك يكون آدمُ هو أول البشر، إذ أن قومه لم يكونوا بشراً. فآدم، ومن بعد أن قال الله تعالى له ( كن فيكون)، صار بشراً إنساناً في أحسن تقويم، وذلك من بعد أن تدخل اللهُ تعالى في “عملية تخلقه” تدخلاً مباشراً فأصلحه وقوَّمه فصار “مخلوقاً آخرَ”: إنساناً في أحسن تقويم.